خطبة
خطبة الجمعة ١٢ /٢ / ٢٠٢١ – بَرَكَةُ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَة
11.02.2021،يَا أَيُّهَا الْجَمَاعَةُ الْكَرِيمَةُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَنَدْخُلُ غَدًا فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَارَكَة. فَمِنْ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَ خَلْقِهِ عَلَى بَعْضٍ بِنَاءً عَلَى حِكْمَةٍ عِنْدَه. فَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ عَلَى بَعْضِهَا الْآخَرِ. وَلَيْسَ لِأحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عَنْ سَبَبِ ذٰلِكَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ
[1]وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَٓاءُ وَيَخْتَارُ
،يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامَ
نَحْتَاجُ إِلَى وَعْيٍ صَحِيحٍ فِي فَضْلِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَارَكَةِ وَالْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ الَّتِي يُوصَى بِفِعْلِهَا فِيهَا. فَإِنَّ الْـبَعْضَ يُفْرِطُ فَيُنْكِرُ فَضْلَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ عَلَى سَائِرِهَا، وَالْبَعْضَ الْآخَرَ يُفْرِطُ فَيَخْتَرِعُ أَحَادِيثَ وَرِوَايَاتٍ لَا أَصْلَ لَهَا وَيَفْتَحُ بِذَا بَابَ الْبِدْعَةِ وَالْخُرَافَة. فَأَوَّلُ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ هُوَ شَهْرُ رَجَبَ الَّذِي يُعَدُّ مِنَ الْأَشْهُرِ الْـحُرُمِ الْـمَذْكُورَةِ فِي الْـقُرْآنِ الكَرِيم. وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا دَخَلَ رَجَبُ كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ:اَللّٰهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبَ وَشَعْبَانَ [2]وَبَلِّغْنَا رَمَضَان
إِذَنْ عَلَيْنَا كَمُسْلِمِينَ أَنْ نَدْعُوَ عِنْدَ دُخُولِنَا لِلْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يُبَارِكَ اللَّهُ لَنَا فِيهَا. شَهْرُ رَجَبَ هُوَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي كَانَ الْعَرَبُ يَتَوَقَّفُ فِيهَا عَنِ الْحَرْبِ وَيَعُمُّ فِيهَا الصُّلْحُ وَالسَّلَاَم. وَقَدْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالصَّوْمِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ.[3] فَبِنَاءً عَلَى ذٰلِكَ يُنْدَبُ الصَّوْمُ فِي شَهْرِ رَجَبَ. غَيْرَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ فِي صَوْمِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ أَوْ إِقَامِ صَلَوَاتٍ خَاصَّةٍ بِرَكْعَاتٍ خَاصَّةٍ بِهَا. وَثَانِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ القَادِمَةِ هُوَ شَهْرُ شَعْبَانِ. وَوَرَدَ فِي رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَسْتَكْمِلُ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ فِيهِ كَانَ شَهْرَ شَعْبَانِ.[4]فَصَوْمُ شَعْبَانَ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوصَى بِصَوْمِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ حَتَّى يَدْخُلَ المُسْلِمُ رَمَضَانَ بِحَالٍ أَقْوَى.
،يَا جَمَاعَتِي الْكَرِيمَة
يُعْرَفُ بَعْضُ لَيَالِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْمُبَارَكَةِ بِلَيَالِي الْقَنْدِيل. وَيَجِبُ فِي مَسْأَلَةِ لَيَالِي الْقَنْدِيلِ أَنْ نَأْخُذَ مَا يَلِي فِي عَيْنِ الِاعْتِبَارَ:
لَا تُوجَدُ عِبَادَةٌ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ اللَّيَالِي – وَمِنْهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ العَزِيز. يَقُولُ أئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ تَقَالِيدَ الْعِبَادَاتِ الْخَاصَّةَ مِثْلَ هٰذِهِ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الدِّين. وَلَكِنْ لَا نَنْسَ أَنْ نَغْتَنِمَ هَذِهِ اللَّيَالِي بِالْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ الْكَثِيرَةِ بِشَكْلٍ عَامّ.
يَا إِخْوَتِي الْكِرَامِ
أَحْسَنُ طَرِيقٍ لِلْمُسْلِمِ فِي اغْتِنَامِ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ – أَلَا وَهُوَ الْعِلْمُ الصَّحِيحُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ. يَجِبُ لِلْحُصُولِ عَلَى الْعِلْمِ الصَّحِيحِ أَنْ نَكُونَ عَلَى صُحْبَةٍ دَائِمَةٍ مَعَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْمُبَارَكِ لِنُجَاهِدُ فِي زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَالْأَعْمَالِ. فَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي نَعْمَلُهَا فِي هٰذِهِ الْأَشْهُرِ هِيَ أَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَعْمَالٍ فِي حَيَاتِنَا، وَأَنْ نَتُوبَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَنَسْتَغْفِرَ مِنْهَا، وَأَنْ نُصْلِحَ حَالَنَا مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ نَقْرَأَ الْقُرْآنَ كَثِيرًا، وَأَنْ نُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنْ نَدْعُوَ لِأَنْفُسِنَا وَلِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ وَالْفُقَرَاءِ فِي الْعَالَم.
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا اغْتِنَامَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَسَائِرِهَا، وَاجْعَلْهَا لَنَا خَيْرًا وَبَرَكَةً وَوَفِّقْنَا لِنَعِيشَهَا وَنُرْضِيَكَ وَنَسْتَنَّ بِسُنَّةِ رَسُولِكَ ﷺ، يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[1] سورة القصص:٦٨
[2] مسند أحمد بن حنبل، الحديث (٢٣٤٦) (من زوائد عبد الله بن أحمد)
[3] نظر: سنن أبي داود،كتاب الصوم، ٥٤، الحديث (٢٤٢٨)
[4] نظر: صحيح البخاري،كتاب الصوم، ٥٢، الحديث (١٩٦٩)