خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ٢٩\١\٢٠٢١ – اَلْمُسْلِمُ وَاسْتِخْدَامُ وَسَائِلِ الْإِعْلَام
28.01.2021،أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام
إِنَّ الْإِعْلَامَ الْمُتَمَثِّلَ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ وَمَواقِعِهَا، قَدِ ازْدَادَ أَثَرُهُ عَلَى النَّاسِ، خُصُوصًا مَعَ بِدَايَةِ عَصْرِ الْإِنْتَرْنَتْ. وَكَانَ تَأْثِيرُ الْإِعْلَامِ عَلَى النَّاسِ مِنْ قَبْلُ مَحْصُورًا فِي وَسَائِلَ مَحْدُودَةٍ مِثْلَ الْجَرَائِدِ وَالرَّادْيُو وَالتِّلْفَاز. لَكِنْ بَعْدَ اكْتِشَافِ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ أَصْبَحَتْ لَهُ سَيْطَرَةً عَلَى حَيَاةِ كُلِّ الْأَفْرَادِ بِشَكْلٍ يَصْعُبُ تَفَادِيهَا. وَيَظْهَرُ مِنَ التَّجَارِبِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ أَنَّ مَنْ يَفْقِدُ مِنَ النَّاسِ مِحْفَظَتَهُ يَنْتَبِهُ لِذَلِكَ خِلَالَ رُبْعِ سَاعَةٍ تَقْرِيبًا، وَأَنَّ مَنْ يَفْقِدُ مِنْهُمْ هَوَاتِفَهُمُ الذَّكِيَّةَ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَشْعُرَ بِفَقْدِه خِلَالَ حَوَالَيْ ثَلَاثِ دَقَائِق. وَتُشِيرُ الْأَبْحَاثُ أَيْضًا إِلَى ازْدِيَادِ عَدَدِ الْمُدْمِنِينَ عَلَى التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرّ. فَهُمْ يُمْضُونَ الْجُزْءَ الْأَكْبَرَ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِع. وَنَتِيجَةً لِذَلِكَ يَتَكَوَّنُ ثَمَانِينَ فِي الْمِائَةِ (80%) مِنْ أَفْكَارِ وَقَنَاعَاتِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيّ هَذِه.
،إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء
إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى وَعْيٍ بِهَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ ذِي التَّأْثِيرِ الْبَالِغ، وَالَّذِي أَصْبَحَ لَهُ دَوْرٌ ظَاهِرٌ فِي تَشْكِيلِ حَيَاتِنَا. فِي الْبِدَايَةِ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَجَنَّبَ اسْتِخْدَامَ هَذِه الْوَسَائِلِ بِشَكْلٍ مُدْمِن. وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَقْتِ وَقَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاس، اَلصِّحَّةُ وَالْفَرَاغ».[1] وَلَا يَزَالُ لِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ كَثِيرٌ مِنَّا وَمِنْ شَبَابِنَا عَلَى الْأَخَصِّ يُهْدِرُونَ أَوْقَاتَهُمْ بِسَبَبِ إِدْمَانِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِع.
طَبْعًا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ ضِدَّ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ عَلَى الْإِطْلَاق. فَإِنَّ لَهَا جَوَانِبُ إِيجَابِيَّةٌ أَيْضًا. وَالَّذِي يَقَعُ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ أَنْ نَسْعَى لِنَشْرِ الْحَقِيقَةِ وَالْخَيْرِ بِهَذِهِ الْوَسَائِل. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ ❊ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَفٖي خُسْرٍ ❊ اِلَّا الَّذٖينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.[2] وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِقِيَمِ وَمَبَادِئِ الْإِسْلَامِ فِي تَصَرُّفَاتِنَا فِي الْعَالَمِ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِهَا كَذَلِكَ فِي تَصَرُّفَاتِنَا عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِعِ فِي الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيّ. فَوَاجِبُ التَّخَلُقِ بِأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْرِفُ تَمْيِيزًا بَيْنَ عَالَمٍ حَقِيقِيٍّ وَآخَرَ اِفْتِراضِيّ. لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَبْرُزَ شَخْصِيَّتُنَا الْإِسْلَامِيَّةُ فِي مُشَارَكَاتِنَا وَفِي صُوَرِنَا وَفِي تَعْلِيقَاتِنَا. عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَسْتَفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ فِي نَشْرِ رِسَالَةِ الْإِسْلَام، وَفِي الْاِشْتِرَاكِ فِي الدُّرُوسِ وَفِي الْوُصُولِ إلَى الْمَعْلُومَاتِ الصَّحِيحَة.
،أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام
يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ كَمَا أَنَّ لَهَا جَوَانِبَ إِيْجَابِيَّةً، فَإِنَّ لَهَا جَوَانِبَ سَلْبِيَّةً أَيْضًا. وَأَحَدُ هَذِهِ الْجَوَانِبِ السَّلْبِيَّةِ هُو انْتِشَارُ الْأَخْبَارِ والْمَعْلُومَاتِ الْكَاذِبَةِ فِيهَا بِشَكْلٍ سَرِيعٍ جِدًّا. فَإِنَّهَا تُوْصِلُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ إِلَى الْمُشْتَرِكِيْنَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَلَا ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَلَا شَابٍّ وَشَيْخ، وَدُونَ أَنْ يَتَبَيَّنَ صِحَّةَ الْخَبَرِ مِنْ كَذِبِه.
وَإِنَّ الْمُسْلِمَ مُكَلَّفٌ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ صِحَّةَ الْخَبَرِ الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ كَذِبِه. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي هَذَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.[3] وَلَا نَنْسَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِع».[4] فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَلاَّ نَسْمَحَ بِدُخُولِ الْأَكَاذِيبِ
وَالْأَبَاطِيلِ إلَى أَذْهَانِنَا، بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ مِنِ انْتِشَارِهَا بَيْنَ النَّاسِ كَافَّةً.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِاسْتِخْدَامِ هَذِه الْوَسَائِلِ بِمَا يُرْضِيه. إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين!
[1] صحيح البخاري، كتاب الرقاق، ١
[2] سورة العصر
[3] سورة الحجرات:٦
[4] صحيح مسلم، المقدمة، ٥