خطبة
خطبة الجمعة ١٩\٢\٢٠٢١ – إبليس كأول عنصريّ
18.02.2021يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ،
كُلَّمَا قُلْنَا «سُبْحَانَ اللَّهِ» عَبَّرْنَا عَنْ كَمَالِ اللَّهِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نُقْصَان. وَقَدْ ظَهَرَ هَذَا الْكَمَالُ فِي الْعَالَمِ الَّذِي خَلَقَه. النَّبَاتَاتُ وَالْحَيْوَانَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ، وَالْجِبَالُ، وَالْبِحَارُ، وَخَلْقُ الْإِنْسَانِ – كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ. وَمَا خَلَقَهُ مِنْ أَلْوَانٍ وَأَصْوَاتٍ وَرَائِحَاتٍ وَطُعُومٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنَ النِّعَمِ الَّتِي تُغْنِي حَيَاتَنَا. وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي النَّسَبِ وَاللُّغَةِ وَالعَادَةِ وَالثَّقَافَةِ يَزِيدُ حَيَاتَنَا غِنَاءً وَلَذَّةً. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ رَأَى نَسَبَهُ وَعِرْقَهُ أفْضَلَ وَأَعْلَى مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ نَوْعًا مَا يَسْتَصْغِرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْخَلْقِ لَهُ.
يَا جَمَاعَتِي الْعَزِيزَةَ،
إِنَّ أَوَّلَ شَخْصٍ عُنْصُرِيٍّ يُمَثِّلُ هَذَا الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ هُوَ إبْلِيسُ، هَكَذَا عَلَّمَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. لَمَّا خَلَقَ اللهُ أَوَّلَ إِنْسَانٍ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَاَئِكَةَ وَإبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ تَحِيَّةً لَهُ. وَلَكِنَّ إبْلِيسَ كَمَا تَعْلَمُونَ تَكَبَّرَ وَلَمْ يَسْجُدْ. يَقُولُ اللهُ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ صَاد: ﴿قَالَ يَٓا اِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ اَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ط اَسْتَكْـبَرْتَ اَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ❊ قَالَ اَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ط خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[1] قَدْ رأَى إبْلِيسُ فِي كَوْنِهِ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَكَوْنِ آدَمَ خُلِقَ مِنْ طِينٍ، فَضْلًا لِنَفْسِهِ عَلَى آدَمَ مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُسَاوِي فِي الْحَقِيقَةِ شَيْئًا. وَقَدْ عَصَى اللَّهَ بِنَاءً عَلَى ذَلِك. وَكَانَ هَذَا الْعِصْيَانُ سَبَبًا لِلَعْنَتِهِ إِلَى الْأبَدِ
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ،
الْعُنْصُرِيَّةُ هِي أكْبَرُ آفَةٍ فِي عَصْرِنَا وَهِي مِثْلُ ذِئْبٍ يَأَكُلُ الْإِنْسَانِيَّةَ. هَذَا الْمَرَضُ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ تَعَايُشِ النَّاسِ مَعَ بَعْضِهِمْ، مَوْجُودٌ فِي تَارِيخِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدْ تَسَبَّبَ فِي كَوَارِثَ كَبِيرَةَ. مِنْ أَهَمِّ النَّمَاذِجِ لِهَذِهِ الْكَوَارِثِ مَذْبَحَةُ سَرْبْرَنِيتْسَا وَتِجَارَةُ الْعَبِيدِ فِي الْمُحِيطِ الْآطْلَسِي الَّتِي اسْتَعْمَرَتِ الْمَلَايِينَ مِنْ غَرْبِ أَفْرِيقِيَا. وَلَكِنَّ آفَةَ الْعُنْصُرِيَّةِ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى بَعْضِ الْمَنَاطِقِ فَحَسْبُ. بَلْ وَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ تُسَمِّمُ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ
هَذَا الِاعْتِقَادُ كَانَ مَوْجُودًا حَتَّى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ. لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا لِيَصْعَدَ عَلَى الْكَعْبَةِ فَيُؤَذِّنَ انْزَعَجَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ الْبَشَرَةِ وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ عُنْصُرِيّ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ [2] خَبِيرٌ﴾
وَفِي الْمَعْنَى نَفْسِهِ أَفَادَ النَّبِيُّ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِقَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ وَلَا لِنَسَبٍ عَلَى نَسَبٍ.[3] وَقَالَ فِي حَديثٍ شَرِيفٍ لَهُ: «إِنَّ ال
[4]لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ
لَقَدْ مَرَرْنَا قَبْلَ عَامٍ بِحَادِثَةٍ ذَكَّرَتْنَا بِمَدَى خُطُورَةِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَالْأجَانِبِ وَقَدْ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ. الْعُنْصُرِيَّةُ الَّتِي أَظْهَرَتْ وَجْهَهَا الشَّنِيعَ فِي هَانَاوْ فِي أَلْمَانْيَا، قَضَتْ عَلَى حَيَاةِ مَعْصُومِينَ فِي رَبِيعِ حَيَاتِهِمْ. إِخْوَتُنَا التِّسْعَةُ الَّذِينَ قُتِلُوا، قَدِ اسْتُهْدِفُوا لِأَنَّهُمْ أجَانِبُ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ أَنَّهُمْ جُزْءٌ مِنَ الْمُجْتَمَعِ. وَقَدِ اِنْتَهَتْ مَعَهُمْ آمَالُ الْمُسْتَقْبَلِ وَطُمُوحَاتُهُ. وَبَقِيَ خَلْفَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ وَأَطْفَالُهُمْ وَأَصْدِقَاؤُهُمْ بِأحْزَانٍ لَا تَنْقَطِعُ. هَذَا الْفِعْلُ الشَّنِيعُ الَّذِي يُخَالِفُ الْفِطْرَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ، نَتِيجَةُ الْفِكْرِ الدَّنِيءِ الَّذِي يَرَى الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهَ تَهْدِيدًا وَلَا يَرَاهَا غِنًى
مِنْ أَهَمِّ مَا تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمَقُولَةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي تَرَى الْمَجْمُوعَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ فِي الْمُجْتَمَعِ سَبَبَ الْمَشَاكِلِ وَلاسِيَّمَا الْمُسْلِمِينَ. وَفِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يَجِبُ عَلَى السِّيَاسِيِّينَ الْكَثِيرُ. وَلَكِنَّنَا نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَيْأَسَ أَبَدًا. هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فِي مُجْتَمَعِنَا مَنْ يَعِي الْمَشَاكِلَ وَيُقِيمُ الْحَقَّ. عَلَيْنَا أَنْ نُسَانِدَ بَعْضَنَا الْآخَرَ فِي الْمُجْتَمَعِ وَأَنْ نَقِفَ أَمَامَ الظُّلْمِ. وَشَرْطُ ذَلِكَ هُوَ التَّعَارُفُ وَالِاسْتِمَاعُ لِلْآخَرِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ وَاغْفِرْ لِمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. آمِينَ
[1] سورة صاد: ٧٥-٧٦
[2] سورة الحجرات:١٣
[3] مسند أحمد بن حنبل، ٣٨\٤٧٤، رقم الحديث (٢٣٤٨٩)
[4] صحيح مسلم،كتاب البر، ١٠