خطبة
طبة الجمعة ٨ /١ /٢٠٢١ – الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ
07.01.2021يَا إِخْوَتِي الْكِرَامِ
نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ مُحْتَاجُونَ لِنَدْعُو اللهَ وَكَذَلِكَ مُحْتَاجُونَ لِيَدْعُوَ غَيْرُنَا لَنَا. لِأَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ سُؤَالُ الْمُؤْمِنِ الْحَقِيقِيِّ رَبَّهُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ وَيَتَمَنَّاهُ. أَدْعِيَتُنَا الَّتِي تُرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ، رَابِطَةٌ قَوِيَّةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ. لَا يُمْكِنُ إِحْيَاءُ الْعَلَاقَةِ بِاللهِ مَنْ غَيْرِ دُعَاءٍ مَهْمَا كُنَّا فِي سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٌ وَفِي أَيِّ حَالِ كُنَّا.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءَ
يَقُولُ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي نَقْرَأُهَا كُلَّ يَوْمٍ: ﴿اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعينُ﴾[1] فَاللهُ تَعَالَى هُوَ الْوَحِيدُ الْمُسْتَحَقُّ لِلدُّعَاءِ لَهُ. يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»[2] وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونٖٓي اَسْتَجِبْ لَكُمْ ط اِنَّ الَّذٖينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتٖي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرٖينَ﴾[3] وَيَأْمُرُنَا بِالدُّعَاءِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الدُّعَاءَ أسَاسُ عُبُودِيَّتِنَا لِلهِ. فَإِنَّنَا فِي دعَائِنَا نَلْجَأُ إِلَى اللهِ وَنَتَعَرَّفُ عَلَيْهِ وَنُعَظِّمُهُ. فَذَلِكَ مَا يُرِيدُهُ رَبُّنَا مِنَّا.
يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامَ
يَجِبُ أَنْ نَدْعُوَ مِنْ أَعْمَاقِ قٌلُوبِنَا. وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ وَاثِقِينَ مَنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ صَعْبٌ عَلَى اللهِ. فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ»[4] وَنَعْلَمُ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يُكَرِّرُ دُعَاءَهُ ثَلَاثًا.[5] فَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُنَبِّهُنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، هُوَ أَنْ نَدْعُوَ أدْعِيَتَنَا بِوَعْيٍ وَإِخْلَاصٍ. وَيَجِبُ كَذَلِكَ الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ دُونَ فَقْدِ الْأَمَلِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَاِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[6] وَذَلِكَ وَعْدٌ عَلَى قَبُولِ الدُّعَاءِ لِكُلِّ عَبْدٍ. إِنَّ اللهَ يَسْتَحْيِي مِنْ رَدِّ دُعَاءِ الْعَبْدِ، وَنَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الإِلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: “قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي”»[7] قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ ﷺ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ»[8]
يَا إِخْوَتِي الْكِرَامِ
الدُّعَاءُ لَيْسَ عِبَادَةً خَاصَّةً بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ. اَلدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا فِي كُلِّ مَكَانِ سَوَاءٌ كُنَّا فِي الْبَيْتِ أَوِ السُّوقِ أَوِ الْقِطَارِ أَوِ السَّيَّارَةِ فِي مَكَانِ الْعَمَلِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الصَّالِحِينَ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اللهَ قِيَامًا وَقَعُودًا، لَيْلًا وَنَهَارًا.
[1] سورة الفاتحة: 4
[2] الترمذي، باب الدعوات، 1
[3] سورة المؤمن: 60
[4] الترمذي، الدعوات، 65
[5] مسلم، الجهاد، 39، الحديث 1794
[6] سورة البقرة: 186
[7] أبو داود، الوتر، 23
[8] مسلم، الذكر، 92