
إِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْمِهَنِ وَالتِّجَارَةِ أَمْرٌ قَدِيمٌ قِدَمَ الْبَشَرِيَّة. فَلَا يَقْدِرُ إِنْسَانٌ عَلَى تَلْبِيَةِ جَمِيعِ حَاجَاتِهِ بِنَفْسِه. بَلْ لَا بُدَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَاتِ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى مُبْتَغَاه. فَحَتَّى سَدُّ الْحَاجَاتِ الْأَوَّلِيَّةِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ إِلَّا بِجُهُودٍ يَبْذُلُهَا النَّاسُ فِي إِنْتَاجِ هَذِهِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَلْبِسَة. وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ أَنْ يُسَاهِمَ -فِي حُدُودِ قُدُرَاتِهِ وَإِمْكَانَاتِهِ- فِي عَمَلِيَّةِ الْإِنْتَاجِ وَفِي تَقْدِيمِ نَفْعٍ لِلْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيه. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْكَدْحِ وَالْعَمَلِ لِاكْتِسَابِ الرِّزْقِ مِنْ أَجْلِ سَدِّ حَاجَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ يَعُولُون. وَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَلْتَزِمُوا بِشَرْعِهِ فِيمَا يُمَارِسُونَهُ وَلَا يَتَجَاوَزُوا حُدُودَه. فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، عَدَّهَا لَهُمْ طَاعَةً وَعِبَادَةً يُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون﴾.[1] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: «طَلَبُ كَسْبِ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ».[2]