خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: حق العبد
24.04.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْحُقُوقُ مِنْ الْأُمُورِ الْأَسَاسِيَّةِ فِي دِينِنَا الْحَنِيفِ. لَقَدْ بَيَّنَ الْإِسْلَامُ حُقُوقَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِشَكْلٍ دَقِيقٍ، وَحَدَّدَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَأَمَرَ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا وَنَهَى عَنْ انْتِهَاكِ الْحُقُوقِ. وَمِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْحُقُوقِ حَقُّ الْعِبَادِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلْقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَكَرَّمَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ رَاعَى حُقُوقَ الْإِنْسَانِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عِرْقِهِ وَلَوْنِهِ وَجِنْسِهِ، وَدِينِهِ، وَلُغَتِهِ، وَمَكَانَتِهِ. قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت» فَأَكَّدَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ، وَأَنَّهَا مَصُونَةٌ حَتَّى نُلْقِيَ رَبَّنَا، وَأَنَّ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهَا سَيَكُونُ مِنَ الْخَاسِرِينَ فِي الْآخِرَةِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ومَفْهُومُ كَلِمَةِ الْحَقِّ يَدُلُّ عَلَى الْمَسْؤُولِيَّةِ وَحِفْظِ الْقِيَمِ. وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مَصْدَرُ الْهُدَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَدْعُونَا إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ. وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى الْحَقُّ. لِذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَقِفُ فِي الْحَقِّ فَإِنَّهُ يَنَالُ رِضَى اللَّهِ. مِنْ أَعْظَمِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ فِي حَيَاتِنَا رِعَايَةُ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا وَلَا يَظْلِمَ أَحَدًا فِي مَالٍ أَوْ فِي عِرْضٍ أَوْ فِي نَفْسٍ. وَإِذَا وَقَعَتِ الْمَظْلِمَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهَا عَلَى الْفَوْرِ، بِرَدِّ الْحَقِّ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، وَطَلَبِ الْعَفْوِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ذَلِكَ: «مَنْ كَانَتْ عِندَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ قَبْلَ أَن لا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
انْتِهَاكُ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَخُصُوصًا فِيمَا يَمَسُّ كَرَامَتَهُمْ وَعِرْضَهُمْ كَالشَّتْمِ وَالسَّبِّ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالسُّخْرِيَةِ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَخِيهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَأَنْ يَطْلُبَ السَّمَاحَ مِنْ أَخِيهِ. وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ يَتُبْ ثُمَّ يَدْعُو لِلشَّخْصِ الْمَظْلُومِ، وَيَعْمَلُ أَعْمَالاً صَالِحَةً لِكَيْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ. وَمِنْ أَفْضَلِ الطُّرُقِ لِتَجَنُّبِ الظُّلْمِ وَالْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ هُوَ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ. إِذَا لَمْ يُفَكِّرْ الْمُؤْمِنُ فِي الْحَرَامِ، وَأَخْرَجَ مَا حَرَمَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ نَجَا وَسَلِمَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “كنا نترك تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام” إِنَّ الحُقُوقَ المُتَعَلِّقَةَ بِمَصَالِحِ اَلْمُجْتَمَعِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَثْقَلِ حُقُوقِ اَلْعِبَادِ، وَالْإِخْلَالُ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ يُؤَدِّي إِلَي خُسْرَانِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي سَمِعْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
وَنَخْتِمُ خُطْبَتَنَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»