خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: شهر رمضان
28.02.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
سَنَلْتَقِي بِشَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ الَّذِي سَيَبْدَأُ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ الَّتِي سَتُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْيَوْمَ. فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ سَنُرَحِّبُ بِشَهْرِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَنَسْتَيْقِظُ لِلسُّحُورِ وَنَنْوِي صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ لِغَايَةٍ؛ فَإنَّ لِلْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ كَائِنٍ خَلَقَهُ اللَّهُ غَايَةً أَيْضًا. وَهَذِهِ الْغَايَةُ هِيَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَعِبَادَتُهُ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِ، وَأَيْضًا مِنْ وَاجِبِنَا الْوُقُوفُ بِجَانِبِ الْحَقِّ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ، وَتَأْسِيسُ الْعَدَالَةِ، وَأَنْ نُدَافِعَ عَنْ الْمَظْلُومِينَ، وَنَتَّحِدَ نَحْوَ إِنْهَاءِ الظُّلْمِ. إِذَا سَعَيْنَا نَحْوَ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْغَايَةِ سَنَصِلُ لِلْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَرَأْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: (يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذٖينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۙ﴾ وَالْهَدَفُ مِنْ الصِّيَامِ كَمَا ذُكِرَ فِي الَآيَةِ هُوَ “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” أَيْ لِكَيْ نَتَّقِيَ اللَّهَ وَلِنُهَذِّبَ نُفُوسَنَا. فِي عَصْرِنَا الْحَالِيِّ عِنْدَمَا نَنْظُرُ لِمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ اَلِاجْتِمَاعِيِّ، وَالْمُجْتَمَعِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ، وَنَرَى الدَّمَارَ وَالْمَجَازِرَ اَلَّتِي تَحْدُثُ فِي العَالَمِ نُلَاحِظُ أنَّ الْإِنْسَانِيَّةَ تَلَوَّثَتْ، وَالْقُلُوبَ تَدَمَّرَتْ وَالضَّمَائِرَ مَاتَتْ. وَلِذَلِكَ نَحْنُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلَى تَهْذِيبِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ. رَمَضَانُ هُوَ شَهْرُ الرَّحْمَةِ، وَالْمَغْفِرَةِ، وَالتَّقْوَى، وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَيَنْبَغِي أنْ يَنْتَهِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ أنْعَمَ عَلَيْنَا بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. كَلِمَةُ رَمَضَانَ تَعْنِي شِدَّةَ الْحَرِّ لِذَلِكَ يَجِبُ أنْ يُهَذِّبَنَا رَمَضَانُ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَيِّئٌ وَشَرٌّ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَرَأْنَاهُ يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ» هَذَا الْحَدِيثُ يُعَلِّمُنَا أنَّ مَنْ يَعْمَلُ أَعْمَالاً صَالِحَةً وَيَتَجَنَّبُ الْمَعَاصِيَ فِي هَذَا الشَّهْرِ تُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ لَهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ. وَبِفَضْلِ الصِّيَامِ يَكْتَسِبُ الْمُؤْمِنُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي نَفْسِهِ، وَيَبْتَعِدُ عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، فَيَكُونُ الشَّيْطَانُ مُقَيَّدًا. وَلْنَتَخَيَّلْ أنَّ رَمَضَانَ مَدْرَسَةٌ، وَكُلُّ مَا بِهَا رَتَّبَهُ اللَّهُ وَهَيَّئَهُ بِالشَّكْلِ الَّذِي يَجِبُ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ؛ يَبْدَأُ رَمَضَانُ بِالسُّحُورِ وَيَنْتَهِي بِالْإِفْطَارِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ الَّتِي أَضَافَهَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُرِيحَ الْمُؤْمِنَ. السُّحُورُ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ لِلتَّكَيُّفِ مَعَ الْجُوعِ فِي الْيَوْمِ التَّالِي؛ بَلْ هُوَ وَقْتٌ مُبَارَكٌ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُ بِالدُّعَاءِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ الْفَجْرِ حَيْثُ تُسْتَجَابُ الدَّعْوَاتُ. بَرْنَامَجُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْبَرْنَامَجُ السُّحُورَ، وَالصَّوْمَ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَالْحَلَقَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ، وَالْإِفْطَارَ، وَالتَّرَاوِيحَ. وَفِي هَذَا الْبَرْنَامَجِ أَيْضًا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أُلْفِ شَهْرٍ. وَعِنْدَمَا نَصُومُ هَذَا الشَّهْرَ وَنَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا فِعْلُهُ نَكُونُ قَدْ حَقَّقْنَا بُشْرَى رَسُولِ اللَّهِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا أنْ نَبْذُلَ قُصَارَى جُهْدِنَا فِي تَعْزِيزِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَتَعْلِيمِهَا لِأَبْنَائِنَا. يَجِبُ عَلَيْنَا أنَّ نَغْتَنِمَ هَذَا الشَّهْرَ الْمُبَارَكَ لِنُعَمِّقَ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا تَطْبِيقَ الْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِمْ الْيَوْمِيَّةِ وَلِنَزْرَعَ فِيهِمْ حُبَّ الْعِبَادَةِ وَالتَّقْوَى. وَمِنْ أجِلِ ذَلِكَ يَجِبُ أنْ نُشَارِكَ فِي تَزْيِينِ مَسَاجِدِنَا مَعَ أَوْلَادِنَا، وَنُشَارِكَ فِي بَرَامِجِ رَمَضَانَ الَّتِي تُنَظِّمُهَا جَمْعِيَّاتُنَا. نَسْألُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا جَمِيعًا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا، وَأنْ يَجْعَلَ هَذَا اَلشَّهْرَ شَهْرَ خَيْرٍ، وَبَرَكَةٍ، وَرَحْمَةٍ، وَنَسْألُ اَللَّهَ أنْ يَعُمَّ الأَمْنُ وَالسَّلَامُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ عَلَى أَمَّتِنَا اَلْإِسْلَامِيَّةِ، وَأنْ يُعِينَنَا عَلَى تَحْقِيقِ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَأنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيعًا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى. تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ.