خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: لَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ
06.02.2025أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْوَقْتُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ. الْوَقْتُ هُوَ فُرْصَةٌ وَإِمْكَانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ. كُلُّ وَقْتٍ وَلَحْظَةٍ يَقْضِيهَا الْإِنْسَانُ وَهُوَ يَعِي بِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ مُهِمَّةٌ وَقَيِّمَةٌ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ أَوْقَاتًا جُعِلَتْ وَسِيلَةً لِقَبُولِ الدُّعَاءِ وَتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ. وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ دَلِيلٌ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ الْوَاسِعِ عَلَى عِبَادِهِ. وَمِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْقَيِّمَةِ اللَيْلَةُ الْخَامِسةُ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ، وهي اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ عَشَرَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَتُسَمَّى بِلَيْلَةِ الْبَرَاءَةِ. هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةُ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْقَيِّمَةِ فُرَصٌ عَظِيمَةٌ لِتَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا وَعِبَادَاتِنَا، وَلِتَطْهِيرِ أَنْفُسِنَا، وَمُرَاجَعَةِ أَفَكَارِنَا، وَلِكَيْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا عَلَى مَاضِينَا، وَلِنُخَطِّطَ لِمُسْتَقْبَلِنَا. بِمُنَاسَبَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَنَدْعُوَ اللَّهَ لَنَا وَلِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاسِ جَمِيعًا. إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ يُنَزِّلُ رَحْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَيَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالْخَيْرِ. إنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ تُكَسِّبُنَا وَعْيًا لِتَأْسِيسِ وَاسْتِمْرَارِ حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ وَمُتَوَازِنَةٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يُرَكِّزُ دِينُنَا الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ فَهُوَ يَهْتَمّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَقْلِ، وَالْفِكْرِ، وَالعَاطِفَةِ، وَالْمَعْرِفَة. لَكِنَّ الْيَوْمَ لِلْأَسَفِ اخْتَلَّ ذَلِكَ التَّوَازُنُ فِي حَيَاتِنَا، وَبَدَأَتْ السَّلْبِيَّاتُ تَنْتَشِرُ كَالْأَنَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا سَبَبٌ لِتَضَرُّرِ صِحَّتِنَا الْعَقْلِيَّةِ. وَلَكِنْ دِينُنَا بِجَانِبِ اهْتِمَامِه بِالْجَانِبِ الْمَادِّيّ اهْتَمّ أيْضًا بِالْجَانِبِ الْمَعْنَوِيِّ لِلْإِنْسَانِ وَبِكَوْنِهِ عَلَى صِلَةٍ دَائِمَةٍ مَعَ اللَّهِ. فَلْنُصْغِ إلَى آيَاتِ اللَّهِ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ «إنَّ اللَّهَ ليطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِن شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقِهِ، إلَّا لمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ» الشِّرْكُ بِاللَّهِ هُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِنْسَانُ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا مِثْلَهُ فِي كُلِّ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَلِذَلِكَ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ. إنَّ الْمُؤْمِنَ إيمَانًا صَحِيحًا فَهُوَ كَالْمَاءِ الْجَارِي لَا يَحْمِلُ مَا لَيْسَ نَظِيفًا. إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَرَادَ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْحِقْد، وَالضَّغِينَةِ وَهُوَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ يَلْجَئُ إلَى بَابِ التَّوْبَةِ. إنَّ اللَّهَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
قال النبي ﷺ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مِنْ مُسْتَرْزِقٍ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مِنْ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا، أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ.»
اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَشْفِينَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَهُوَ مَنْ يَغْفِرُ لَنَا ذُنُوبَنَا. لِذَلِك يَنْبَغِي أنْ نَسْتَغِلَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ، وَبِالْمُشَارَكَةِ فِي الْبَرَامِج الَّتِي تُنَظِّمُهَا مَسَاجِدُنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، الَّذِين غَفَرْتَ لَهُمْ، وَرَضِيْتَ عَنْهُمْ، وَأَكْرَمْتَهُمْ بِفَضْلِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوه، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.