خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: عيسى عليه السلام ورسالته
19.12.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. لَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى أًنْبِيَاءً لِيُخْرِجُوا النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، اِخْتَارَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ لِيَكُونَ نَبِيًّا، وَوُلِدَ بِدُونِ أَبٍ بِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَظَمَتِه. إِنَّ مِيلَادَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُذَكِّرُنَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ وَمِثْلُ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ دَعَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأنْ يَكُونُوا ذَا خُلُقٍ حَسَنٍ وَأَصْحَابِ عَدْلٍ. وَرِسَالَتُهُ لَمْ تَنْزِلْ فَقَطْ لِلْقَوْمِ الَّذِي عَاشَ بَيْنَهُمْ، بَلْ لِكُلِّ الْبَشَرِيَّةِ أَجْمَعُ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
التَّوْحِيدُ بِاللَّهِ هُوَ أَصْلُ رِسَالَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا قَوْمَهُ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْانِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿وَاِنَّ اللّٰهَ رَبّٖي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُؕ هٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقٖيمٌ﴾ وَلَقَدْ وَصَفَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ:«أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ»
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَمِنْ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إقَامَةُ الْعَدْلِ. لَقَدْ مَنَعَ وَحَذَّر النَّاسَ مِنْ الظُّلْمِ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِوَحْيِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِاُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ وَأَكَّدَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ مُجَرَّدَ خُلُقٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، وَأَمَرَنَا بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ الظُّلْمِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَقَدْ ذَكَّرَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّاسَ بِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَالدَّارُ الْاخِرَةُ هِيَ دَارُ الْبَقَاءِ. وَأَمَرَنَا بِالِابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يُلْهِينا عَنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَمَرَنَا بِأنْ نَفْعَلَ كُلَّ مَا يُقَرِّبُنَا لِلَّهِ تَعَالَى. سَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْحَابَهُ “لِمَاذَا لَا تُحْسِنُونَ الْعِبَادَة؟” فَقَالُوا “أَيُّ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ؟” أَجَابَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِلًا “الْخُضُوعُ لِلَّهِ” فَمِنْ هُنَا نَتَعَلَّمُ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الشَّكْلِ فَقَطْ، بَلْ الْحِكْمَةُ مِنْهَا أَنَّها الْخُضُوعُ لِلَّهِ، وَتُقَرِّبُ الإِنْسَانَ بِرَبِّه.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
دَعْوَةُ نَبِيِّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هِي لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ. إنَّ فَهْمَ تَعَالِيمِهِ وَالْعَمَلَ بِالْقِيَمِ الَّتِي جَاءَ بِهَا يُوَصِّلُنَا إِلَى الْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِمَا تَرْضَى. وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا بِحَيَاةٍ عَادِلَةٍ، وَيَجْعَلَنَا مِنَ الْمَقْبُولِينَ بِرَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ.