خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الحلال والحرام في الإسلام
12.12.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أُسُسًا وَحُدُودًا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِنَا. وَأَعْظَمُ امْتِحَانٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ الِالْتِزَامُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. إِنَّ الِالْتِزَامَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَالْعَيْشَ وَفْقًا لِمَا أَمَرَهُ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ يَجْعَلُنَا نَصِلُ لِلْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِحُدُودِ اللَّهِ يَكُنْ قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةَ. وَأَرْشَدَنَا اللَّهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ لَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ لَنَا حُدُودَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِكُلِّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِنَا؛ فِي الْمَأْكَلِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَلْبَسِ، وَحَيَاتِنَا الْعَمَلِيَّة، وَالرِّزْقِ، وَحَتَّى فِي الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَدْ أَعْطَى دِينُنَا الْحَنِيفُ أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً فِي التَّغْذِيَةِ الْحَلَالِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ مُرْتَبِطَةٌ بِالْغِذَاء. فَإِذَا أَكَلَ الْإِنْسَانُ طَعَامًا حَرَامًا، وَلَمْ يَنْتَبِهْ لِمَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ لَا تَكُونُ أَخْلَاقُهُ حَمِيدَةً. وَقَدْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَدِ أَحَادِيثِهِ أَنَّ قَبُولَ اللَّهِ لِعِبَادَةِ الْعَبْدِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ هَلْ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ. وَفِي يَوْمِنَا هَذَا نَتِيجَةً لِلتَّدَخُّلَاتِ الَّتِي تَمَّتْ عَلَى الطَّبِيعَةِ، وَالْحَيَوَانَاتِ، وَالْغِذَاءِ، وَخَاصَّةً الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ ظَهَرَتْ نَتَائِجُ لَا تُرْضِي اللَّهَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَمِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا فِي الْغِذَاءِ الْحَلَالِ هِيَ الْمَوَادُّ الْمُضَافَةُ وَالْمُسْكِرَةُ الْحَرَامُ الْمَوْجُودَةُ بِدَاخِلِ الطَّعَام. وَفِي يَوْمِنَا هَذَا بِسَبَبِ انْتِشَارِ الْمَوَادِّ الْمُؤَثِّرَةِ عَلَى الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ مِثْلُ الْكَائِنَاتِ الْمُعَدَّلَةِ وِرَاثِيًّا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ وَاعِينَ أَكْثَرَ بِشَأْنِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ. وَبِالْمِثْلِ فَإِنَّ التَّحَرِّيَ عَنْ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ مَسْؤُولِيَّةٌ دِينِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ. إِنَّ وَصِيَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَيَاتِنَا. عَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ السَّعْدِىِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ»
يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ إِطْعامَ أَوْلَادِنَا وَنَسْلِنَا لُقْمَةَ حَرَامٍ ذَنْبٌ كَبِيرٌ، وَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ عَلَى وَعْيٍ بِشَأْنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَبِذَلِكَ الْحَدِيثِ نَصَحَ نَبِيُّنَا الْمُؤْمِنِين بِالِانْتِبَاهِ إلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ حَيَاتِنَا. لَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً فِي الطَّعَامِ الْحَلَالِ حَتَّى أَنَّهُ أَوْصَى جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ بِذَلِكَ وَقَالَ” يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” إنَّ مَنْ يَلْتَزِمُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَيَهْدِفُ إلَى الْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَهْتَمُّ بِنَشْأةِ أَبْنَائِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَنْتَبِهَ إلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ، وَكُلِّ لُقْمَةٍ تَصِلُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَفِي النِّهَايَةِ نَوَدُّ أَنْ نُذَكِّرَكُمْ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُحَرِّمُهُ الْإِسْلَامُ لَيْسَ لِكَيْ يَظْلِمَنَا وَلَا لِيُفْسِدَ عَلَيْنَا حَيَاتَنَا، بَلْ فَقَدْ أَعْطَى الإِسْلَامُ بَدِيلًا أَفْضَلَ وَأَطْهَرَ لِلْمُسْلِم. الْحَلَالُ لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، وَدَائِرَةُ الْحَلَالِ وَاسِعَةٌ بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى الْحَرَامِ، أَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ قَلِيلَةٌ وَمَحْدُودَةٌ، وَذُكِرَتْ فِي الْقُرْانِ. وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَيَذْهَبَ خَلْفَ الْحَرَامِ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحَلَالَ الطَّيِّبَ وَأَبْعِدْنَا عَنْ الْحَرَامِ.