خطبة
فضلُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر
28.11.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِؕ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
سورة آل عمران، الآية ١٠٤
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺَ يقولَ:
« مُروا بالمعروفِ وانهَوا عن المنكرِ قبلَ أنْ تَدعوا فلا يُستَجابَ لكم »
ابن ماجه، كتاب الفتن، باب ٢٠
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَيُعَدُّ مِنْ المَسْؤُولِيَّاتِ الْعَظِيمَةِ فِي دِينِنَا. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِؕ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الْايَةُ تُذَكِّرُنَا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَتُرْشِدُنَا لِفِعْلِ ذَلِكَ.
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُصْلِحُهُ وَيَأْمُرُنَا بِهِ دِينُنَا، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ هُوَ الاِجْتِنَابُ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ فَاحِشٌ وَحَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ بِهَذَا النَّهْجِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا لِأَجْلِ تَكْوِينِ مُجْتَمَعٍ صَالِحٍ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ بأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَيْضًا بِأَنَّ تَرْكَنَا هَذَا النَّهْجِ يُؤَدِّي إلَى فُقْدَانِ مَعْنَيَيْ الدِّينِ وَفَسَادِ الْمُجْتَمَع.
إنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ هُوَ أَسَاسُ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَتَرْكُ هَذَا النَّهْجِ يُؤَدِّي إلَى ضَعْفِ الْقِيَمِ لَدَيْنَا، وَفُقْدَانِ الثِّقَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَفُقْدَانِ السَّلَامِ الِاجْتِمَاعِيّ. وَقَدْ كَلَّفَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ لِنَقُومَ بِهَا وَنَبَّدَأَهَا أَوَّلًا مَعَ أَنْفُسِنَا. إنَّ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالِابْتِعَادِ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ النَّهْجُ الَّذِي يُوَجِّهُ حَيَاةَ الْمُؤْمِن. وَمَنْ يُحَاوِلْ وَيُجَاهِدْ نَفْسَهُ لِذَلِكَ يَكُن عَبْدًا صَالِحًا. فَبَيْنَمَا الْخَيْرُ يَعْنِي الصِّدْقَ فَإِنَّ الْإِحْسَانَ يَعْنِي الْقِيَامَ بِكُلِّ شَيْءٍ وَكَمَا أَنَّك تَرَى اللَّهَ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَمَا يُبَشِّرُنَا اللَّهُ بِثَوَابٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ يُوَكِّلُّنَا بِمَسْؤُولِيَّةٍ كَبِيرَةٍ أيْضًا. يُذَكِّرُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِقَوْلِه «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ.» وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» هَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْخَيْرِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَيْسَ مَسْؤُولِيَّةً فَرْدِيَّةً فَقَطْ بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَهَذَا لِصَلَاح الْمُجْتَمَع.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
الْإِنْسَانُ الصَّالِحُ يَنْشُرُ الْخَيْرَ لِمَنْ حَوْلَهُ وَلَيْس فَقَطْ بِالْكَلَامِ إنَّمَا بِأَفْعَالِهِ، وَيَكُون قُدْوَةً لِغَيْرِهِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ تُرْشِدُنَا إِلَى التَّعَامُلِ بِصَبْرٍ وَحِكْمَةٍ فِي مُجَاهَدَةِ الشَّرّ.
الِالْتِزَامُ بِحُدُودِ اللَّهِ يَجْعَلُ حَيَاتَنَا ذَاتَ مَعْنًى. وَالْمُؤْمِنُ الْمُلْتَزِمُ بِحُدُودِ اللَّهِ يُجَاهِدُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَفِي سُورَةِ الْعَصْرِ يَذْكُرُ اللَّهُ لَنَا أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا فِي خُسْرَانٍ إلَّا مَنْ اتَّصَفَ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ. وَالْإِيمَانُ يُعَبَّرُ عَنْ إخْلَاصِ الْإِنْسَانِ وَثِقَتِهِ بِاَللَّه. وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ هِيَ الَّتِي تَنْعَكِسُ عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ. وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ فِي نَشْرِ الْخَيْرِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ. وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ وَهُو الْمُثَابَرَةُ فِي الصُّعُوبَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِين يَأْمُرُوه بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَلَا نَنْسَ أنَّ اجْتِهَادَنَا بِهَذَا الطَّرِيقِ يَكُونُ وَسِيلَةً لِقَبُول اللَّهِ دُعَائَنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَرْجُون رِضَاك.