خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الإنفاق في سبيل الله
24.10.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْإِنْفَاقُ هُوَ أَنْ نُخْرِجَ مِنْ النِّعَمِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي أَنْعَمَنَا اللَّهُ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُونَ مُقَابِل. الْإِنْفَاقُ هُوَ رِعَايَةُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَالْحِفَاظُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ مَعَانِي الْإِنْفَاقِ أَيْضًا أَنْ نَبْذُلَ جُهْدًا لِنُقَدِّمَ الْخَيْرَ لِعَائلَاتِنَا، وَأَصْحَابِنَا، وَأَقَارِبِنَا وَجِيْرَانِنا وَإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، وَلِجَمِيعِ النَّاس. إِنَّ الْإِنْفَاقَ مِمَّا أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ يَشْفِي الْقُلُوب. عِنْدَمَا نُنْفِقُ عَلَى الْاخَرِينَ يَتَقَوَّى رِبَاطُ الْأَمَانِ وَالسَّعَادَةِ وَالِاتِّحَادِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَنَا، وَبِه تَزُولُ الْمَشَاكِلُ أَيْضًا. وَالْمُؤْمِنُون يَنَالُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ بِالْإِنْفَاقِ وَالتَّعَاوُنِ. وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَيُخْبِرُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ قُدْسِيّ اخَرٍ قَالَ: «قال الله: يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا قَرَأْنَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَة: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَؕ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَاِنَّ اللّٰهَ بِهٖ عَلٖيمٌ﴾ يُفَسِّرُ الْعُلَمَاءُ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يُحِبُّهَا الْإِنْسَانُ بِالْإِمْكَانِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْأَمْوَالِ وَالْمَنْصِبِ وَالْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ الْجَسَدِيَّة. تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَشْيَاءِ الثَّمِينَة، لِأَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يُوَصِّلُنَا إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي نَهْدِفُ إلَيْهَا. إنَّ الْعَطَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّفَقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّة يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا حَاجَةَ النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ فَرْدًا أَوْ مُجْتَمَعًا، وَيُنْقِذَهُ مِنْ الْمَشَقَّاتِ وَالْمَتَاعِب. وَيَنْبَغِي أَنْ نَفْهَمَ جَيِّدًا أَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى أَنْ يُعْطِيَ الْإِنْسَانُ أَحَدًا شَيْئًا هُوَ لَا يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَهُ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَلَوْ اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ بِشَيْءٍ مَا مِنْ أَجْلِ الْاخِرَةِ، فَقَدْ يَرْتَكِبُ أَخْطَاءً كَأنْ يُؤَجِّلَ فِعْلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أمَامَهُ حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ وَمَازَال هُنَاكَ وَقْتٌ. وَعِنْدَمَا يَأْتِيهِ مَلَكُ الْمَوْتِ يَتَوَسَّلُ لِكَيْ يَمْنَحَهُ الْقَلِيلَ مِنْ الْوَقْتِ لِلْقِيَام بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾
الْإِنْسَانُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْرِعَ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَالحَسَنَاتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأَجَلُ، لِأَنَّ الِامْتِحَانَ مَعَ الْوَقْتِ يَقِلُّ مُدَّتُهُ، وَسَيَبْدَأُ وَقْتُ الْحِسَابِ. وَعِنْدَمَا يَأْتِي أَجْلُ الْإِنْسَانِ حَتَّى وَإِنْ أَرَادَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤَجِّلَ وَقْتَ حِسَابِهِ وَلَوْ لَحْظَةً وَاحِدَةً. لِذَلِك فَبَدَلًا مِنْ أَنْ نَنْدَمَ عِنْدَمَا يَأْتِي وَقْتُ الْحِسَابِ وَنَقُولُ يَا لَيْتَنِي أَنْفَقَتْ، وَكُنْتُ عَبْدًا صَالِحًا مِنْ الْأَفْضَلِ أَنْ نَسْتَغِلَّ الْفُرْصَةَ وَنَحْنُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَنُنْفِقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَسَبَ قُدْرَتِنَا. النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَحُنَا بِالتَّعَاوُنِ الْإِنْفَاقِ دَائِمًا، وَيَقُولُ فِي حَدِيثٍ اخَر: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» وَيُخْبِرُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَنْفَعُ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَالْبُخْلَ يُزِيلُ بَرَكَةَ الْمَال.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
نَحْنُ كَمُؤَسَّسَةِ الْمُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِيُّ مِلِّئ كُورُوش فَإِنَّنَا نَدْعُمُ المَشَارِيعَ الْمُهِمَّة لِهَذَا الْعَامِ كَمَا فَعَلْنَا فِي الْأَعْوَامِ السَّابِقَة. لِكَيْ تَسْتَمِرَّ مَسَاجِدُنَا وَمُؤَسَّسَتُنَا لِلْحِفْظِ يَتِمّ تَلْبِيَةُ الاحْتِيَاجَات بِاسْتِخْدَامِ التَّبَرُّعَات وَالْمُسَاعَدَات بِأَفْضَلِ شَكْلٍ مُثْمِرٍ. وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ نَسْعَى جَاهِدِينَ لِكَيْ نَتْرُكَ مِيرَاثَ خَيْرٍ لِلْأجْيَالِ الْقَادِمَةِ. بِفَضْلِ مُسَاعَدَتِكُمْ وَتَبَرُّعَاتِكُم نَسْعَى مُنْذُ سَنَوَاتٍ لِمُسَاعَدَةِ الْمَظْلُومِين وَالْمُحْتَاجِينَ فِي كُلِّ مَكَان. لِنَتَنَافَسْ فِي الْخَيْرِ جَمِيعًا مِنْ أَجْلِ الأَجْيَالِ الْقَادِمَة وَلَنُنْفِقْ وَلْنُشَجِّعْ عَلَى الْإِنْفَاقِ.