خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: مسؤولياتنا تجاه أولادنا
08.08.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
فِي دِينِنَا كَمَا أَنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ مَسْؤُولِيَّاتٍ وَوَاجِبَاتٍ تُجَاهَ وَالِدَيْهِمْ، عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَيْضًا مَسْؤُولِيَّاتٍ وَوَاجِبَاتٍ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمْ. وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَضِّحُ لَنَا هَذِهِ المَسْؤُولِيَّةَ بِقَوْلِه: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” وَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ إِنَّ أَزْوَاجَنَا وَأَطْفَالَنَا أَمَانَةٌ عِنْدَنَا مِنَ اللَّهِ. كَمَا أَنَّ رِعَايَةَ وَحِفْظَ الْأَمَانَةِ مِنْ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِ، فَالخِيَانَةُ فِيهَا مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ. إنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ عَلَيْنَا تُجَاهَ أَوْلَادِنَا، هُوَ أَنْ نُعَرِّفَهُمْ مَنْ رَبُّهُمْ، وَأَنْ نَجْعَلَهُمْ يُحِبُّونَ رَبَّهُمْ، وَأَنْ نُوَجِّهَهُمْ لِكَيْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، صَالِحِينِ، مُوَحِّدِينَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. كَمَا نَصَحَ لُقْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَهُ أَوَّلًا بِأَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا حَيْثُ قَالَ:﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
قَالَ النَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ» أَعْظَمُ مِيرَاثٍ وَهَدِيَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّمَهُ الْوَالِدَانُ لِأَوْلَادِهِمْ، أنْ يُعَلِّمُوهُمْ خُلُقَ الإِسْلَامِ وَآدَابَهُ مِنْ خِلَالِ تَطْبِيقِهِمْ لِأَوَامِر الدِّين. مَسْؤُولِيَّاتُ وَوَاجِبَاتُ الْوَالِدَيْنِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمْ تَبْدَأُ قَبْلَ وِلَادَتِهِمْ. وَأَوَّلُ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ اخْتِيَارُ الزَّوْجِ صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضُوعِ الزَّوَاج: «فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» إنَّ اخْتِيَارَ الزَّوْجِ صَاحِبَ دِينٍ وَخُلُقٍ هُو الْخُطْوَةُ الْأُولَى لِإِنْشَاءِ عَائِلَةٍ سَلِيمَةٍ مُسْلِمَةٍ، وَلِتَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ تَرْبِيَةً يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَأَمَّا الْمَسْؤُولِيَّةُ الثَّانِيَةُ تُجَاهَ الْأَوْلَادِ، أَنْ يَتَصَرَّفَ الْوَالِدَانُ كَمَا يَرْضَى اللَّهُ وَيُحِبُّ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ الزَّوَاجِ. الْإِنْسَانُ إذَا تَحَرَّكَ بِمَا يُوَافِقُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَكَمَا يَرْضَى اللَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي فَتْرَةِ الْخُطُوبَةِ أَوْ فِي فَتْرَةِ الزَّوَاجِ؛ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ. إنَّ اجْتِنَابَ الْحَرَامِ وَكُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خِلَالَ مَرْحَلَةِ الْخُطُوبَةِ وَالنِّكَاحِ، يُقَوِّي أُسَسَ العَائِلَةِ الْمَعْنَوِيَّةَ. وَأَيْضًا مِنْ تِلْكَ المَسْؤُولِيَّاتِ وَالْوَاجِبَاتِ عَلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأٓبَاءِ، أَنْ يَأْكُلُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَأَنْ يُحَقِّقُوا ذَلِكَ بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ. إنَّ تَغْذِيَةَ الطِّفْلِ بِالْأَغْذِيَةِ الْحَلَالِ وَالصَّحِيةِ، تَبْدَأُ مُنْذُ وُجُودِهِ دَاخِلَ رَحِمِ الأُمِّ، وَتَسْتَمِرُّ طُولَ حَيَاتِهِ. وَلِذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْبَيْتِ يَتِمُّ الْحُصُولُ عَلَيْهَا بِطُرُقٍ حَلَالٍ، وَإِذَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي تَأْكُلُهُ الْأُمُّ حَلَالًا وَصِحِّيَّا، فَهَذَا يُؤَثِّرُ فِي أَنْ يُولَدَ الطِّفْلُ ذَا فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ، وَيُؤَثِّرُ فِي نُمُوِّهِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
تَزِيدُ مْسْؤُولِيَّاتُ الْأَبَوَيْنِ تُجَاهَ الْأَوْلَادِ بَعْدَ وِلَادَتِهِمْ. وَأَوَّلُ هَذِهِ المَسْؤُولِيَّاتِ هِيَ تَسْمِيَةُ الطِّفْلِ الْمَوْلُودِ بِاسْمٍ يُنَاسِبُ الْمُسْلِمَ. تَسْمِيَةُ الطِّفْلِ بِاسْمٍ جَمِيلٍ هُوَ أَوَّلُ هَدِيَّةٍ مَعْنَوِيَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُقَدِّمَهَا لِطِفْلِكَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ»
تَسْمِيَةُ الْأَطْفَالِ بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَالعُلَمَاءِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكِبَارِ تَكُونُ وَسِيلَةً لَهُمْ فِي تَعْرِيفِهِمْ بِشَخْصِيَّاتٍ مُسْلِمَةٍ هُمْ قُدْوَةٌ لَنَا. يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وِلَادَةُ الطِّفْلِ وَسِيلَةً لِلشُّكْرِ لِلَّهِ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ، وَلِإِعْطَاءِ الصَّدَقَةِ، وَذَبْحِ ذَبِيحَةٍ لِلْمَوْلُودِ، الَّتِي تُسَمَّى فِي دِينِنَا عَقِيقَةً. وَهَذِه الْعَقِيقَةُ هِيَ تَعْبِيرٌ عَنْ الشُّكْرِ لِلَّهِ بَعْدَ وِلَادَةِ الطِّفْلِ. وَمِنْ وَاجِبَاتِ الْآبَاءِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَجَنَّبُوا التَّفْرِيقَ بَيْنَ أَوْلَادِهِمْ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَادِلِينَ بَيْنَهُمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ» إنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِلْأَطْفَالِ، وَتَشْجِيعَهُم عَلَى الصَّلَاةِ، وَغَرْسَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ فِيهِمْ بِعُمْرٍ مُبَكِّرٍ، مِنَ المَسْؤُولِيَّاتِ الْأَسَاسِيَّةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ تُجَاه الْأَوْلَاد. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَثَلُ الذي يتعلمُ العِلْمَ في صِغَرِهِ، كالنَّقْشِ على الحَجَرِ…» وَأَيْضًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْأَبَوَيْن تُجَاهَ الْأَوْلَادِ، إذَا وَصَلُوا لِعُمْرِ الزَّوَاجِ أنْ يَبْحَثُوا لِأَبْنَائِهِمْ عَنْ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ مُنَاسِبٍ لَهُمْ. نَفْهَمُ أَهَمِّيَّةَ الزَّوَاجِ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا تَزَوَّجَ العبدُ فقدِ اسْتكمَلَ نِصْفَ الدِّينِ…»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
مِنْ وَاجِبِنَا أَنْ نُرَبِّي أَوْلَادَنَا الَّذِينَ هُمْ أَمَانَةٌ لَنَا مِنْ اللَّهِ بِتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى عَقِيدَةِ الإِسْلَامِ وَأَخْلَاقِه. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ. يَا رَبِّي! ارْزُقْنَا الْقُدْرَةَ الَّتِي تُمَكِّنُنَا فِي أَنْ نُرَبِّيَ أَوْلَادَنَا الْأَدَبَ وَالْأَخْلَاقَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَاجْعَلْ أَزْوَاجَنَا وَأَطْفَالَنَا قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا، وَقِنَا نَحْنُ وَأَجْيَالَنَا مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَارْزُقْ العَائِلَاتِ الْمُسْلِمَةَ الْإِيمَانَ وَالسَّعَادَةَ وَالثَّبَاتَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.