خطبة
التجسس
01.08.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثٖيراً مِنَ الظَّنِّؗ اِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ اِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاًؕ اَيُحِبُّ اَحَدُكُمْ اَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ اَخٖيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُؕ وَاتَّقُوا اللّٰهَؕ اِنَّ اللّٰهَ تَـوَّابٌ رَحٖيمٌ ﴿١٢﴾ ﴾
عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ قَالَ:
« يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ »
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ خَلَقَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَقْوَامًا وَشُعُوبًا مُخْتَلِفَةً. وَخَلَقَ اللَّهُ الإِنْسَانَ اجْتِمَاعِيًّا بِشَكْلٍ، يَحْتَاجُ كُلُّ أَحَدٍ لِلآخَرَ. يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَنْ يَجْعَلَ الْمَبَادِئَ وَالْقِيَمَ الْأَخْلَاقِيَّةَ شَيْئًا أَسَاسِيًّا فِي عَلَاقَاتِهِمْ مَعَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ فِي الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ.»
وَأَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ. فِي الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي لَا نَجِدُ فِيهَا أَخْلَاقَ الإِسْلَامِ الْحَمِيدَةَ، نَجِدُ فِيهَا الفَوْضَى وَالِاضْطِرَاب، وَتَفْسُدُ الْأَقْوَامُ وَالمُجْتَمَعَاتُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَبِسَبَبِ الْمَشَاكِلِ الَّتِي يُسَبِّبُهَا عَدَمُ وُجُودِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّ الْمُجْتَمَعَ يَفْقِد قُوَّتَهُ، وَيَبْدَأُ فِي الِانْحِلَال. وَأَمَّا الْمُجْتَمَعَاتُ الَّتِي تَتَّخِذُ الْأَخْلَاقَ مَبْدَأً لَهَا، يَكُونُ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ الرَّخَاءُ وَالْفَلَاحُ الدُّنْيَوِيُّ وَالْأُخْرَوِيّ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَوَاحِدَةٌ مِنْ أَهَمِّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، هِي الِابْتِعَادُ عَنِ التَّجَسُّسِ. التَّجَسُّسُ هُوَ أَنْ يَبْحَثَ الْإِنْسَانُ وَيَكْشِفَ سِرًّا مِنْ حَيَاةِ الْاخَرِينَ الْخَاصَّةِ بِدُونِ رِضَاهُمْ، لِمُجَرَّدِ الْفُضُولِ وَالْمَعْرِفَةِ. دِينُنَا الْإِسْلَامِ الَّذِي يَهْدِفُ لِلْخُلُقِ الْحَسَنِ، كَمَا أَنَّهُ حَرَّمَ كَشْفَ عَوْرَاتِ الْآخَرِينَ وَانْتِهَاكَهَا، حَرَّمَ الْبَحْثَ وَالتَّجَسُّسَ أَيْضًا فِي خُصُوصِيَّاتِهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذَا الصَّدَدِ: ﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثٖيراً مِنَ الظَّنِّؗ اِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ اِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاًؕ اَيُحِبُّ اَحَدُكُمْ اَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ اَخٖيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُؕ وَاتَّقُوا اللّٰهَؕ اِنَّ اللّٰهَ تَـوَّابٌ رَحٖيمٌ﴾
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
يَجِبُ عَلَيْنَا الِابْتِعَادُ عَنِ التَّجَسُّسِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا احْتِرَامُ خُصُوصِيَّاتِ النَّاسِ مَهْمَا كَانَ دَيْنُهُمْ أَوْ لُغَتُهُمْ أَوْ لَوْنُهُمْ. لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَهَكَ بِلَا شَكٍّ. عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَجَنَّبَ مِنْ تَلَمُّسِ عُيُوبِ الْاخَرَيْنِ، وَألَّا نَتَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِسُوءٍ، وَألَّا نَغْتَابَهُمْ. خَاصَّةً مَعَ وُجُودِ تِكْنُولُوجِيَا فِي حَيَاتِنَا، أَصْبَحَ الْبَحْثُ وَالتَّحَقُّقُ فِي عُيُوبِ الْاخَرِينِ وَنَشْرُهَا عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ أَمْرًا شَائِعًا. وَهَذَا خَطَأٌ كَبِيرٌ لَا يَلِيقُ بِأَخْلَاقِ الْمُسْلِم. نَاهِيكَ عَنْ التَّحْقِيقِ فِي أَخْطَاءٍ الْإِنْسَانِ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ يَجِبُ أَنْ نُحَاوِلَ سَتْرَ عُيُوبِهِ وَخَطَايَاهُ كَمَا بَشَّرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ»
وَلَا نَنْسَ أنَّ مِنْ أَحَدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى السَّتَّارَ، الَّذِي يَعْنِي سَتْرَ الْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ. وَنَحْنُ إذَا سَتَرْنَا عُيُوبَ النَّاسِ وَخَطَايَاهُمْ، سَيَتَجَلَّى اسْمُ اللَّهِ عَلَيْنَا، وَسَيَسْتِرُ اللَّهُ عُيُوبَنَا وَذُنُوبَنَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ الذُّنُوبَ، وَيَجْعَلَنَا مِنَ التَّوَّابِينَ. أَمِين