خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: صلة الرحم
28.06.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
يُطْلَقُ عَلَى الأَشْخَاصِ الَّذِينَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نَسَبٌ اسْمُ الْأَقَارِب. وَالْأَقَارِبُ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تَعْنِي قَرِيب. وَهَذِهِ القَرَابَةُ فِي دِينِنَا تَفْرُضُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَعْضَ الوَاجِبَاتِ. وَيُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الوَاجِبَاتِ حَقُّ الْأَقَارِبِ. وَدِينُنَا يَهْتَمُّ بِالحِفَاظِ عَلَى حَقِّ الْأَقَارِبِ، وَيُشَجِّعُ فِي تَقْوِيَةِ الرَّوَابِطِ الْأُسَرِيَّةِ بِالتَّوَاصُل، وَالتَّعَاوُنِ المَادِّيَّ، وَالْمَعْنَوِيِّ، وَالزِّيَارَاتِ. وَهَذِهِ العَلَاقَةُ الَّتِي بَيْنَ الْأَقَارِبِ تُسَمَّى بِصِلَةِ الرَّحِمِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَفِي الآيَةِ الأُولَى مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَرَأْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الخُطْبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿وَاتَّقُوا اللّٰهَ الَّذٖي تَسَٓاءَلُونَ بِهٖ وَالْاَرْحَامَؕ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقٖيباً﴾ وَاهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحِفَاظِ عَلَى رَابَطِ القَرَابَة وَتَقْوِيَتِه، وَأَمَرَنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ بِقَوْلِه: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ…» تُوجَدُ آيَاتٌ وَأَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ تَحُثُّنا عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ. وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَإِنَّ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ حَرَّمُوا قَطْعَ صِلَةِ الرَّحِمِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلَةَ الرَّحِمِ بِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنَ الْعُمْرِ وَتُبَارِكُ فِي الرِّزْقِ. وَبَيَّنَ لَنَا بِأَنَّ قَاطِعَ الرَّحِمِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِقَوْلِهِ: “لا يدخل الجنَّةَ قاطعٌ يعني: قاطع رحمٍ”
إنَّ الحِفَاظَ عَلَى عَلَاقَتِنَا مَعَ الأَقَارِبِ، وَعَمَلِ الخَيْرِ مَعَهُمْ، لَيْسَ وَاجِبًا خَاصًّا بِنَا نَحْنُ أُمَّةُ آخِرِ الزَّمَانِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ قَدِيمٌ. وَلَقَدْ خَضَعَتْ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ أَيْضًا لِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي تُنَظِّمُ وَتُقَوِّى العَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا هَذَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَاِذْ اَخَذْنَا مٖيثَاقَ بَنٖٓي اِسْرَٓائٖلَ لَا تَعْبُدُونَ اِلَّا اللّٰهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ اِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبٰى وَالْيَتَامٰى وَالْمَسَاكٖينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَاَقٖيمُوا الصَّلٰوةَ وَاٰتُوا الزَّكٰوةَؕ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ اِلَّا قَلٖيلاً مِنْكُمْ وَاَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
الْأَقَارِبُ مَسْؤُولُونَ عَنْ تَذْكِيرِ بَعْضِهِمْ البَعْضَ، وَأَنْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ. وَالْأَنْبِيَاءُ هُمْ أَفْضَلُ مِثَالٍ وَقُدْوَةٍ لَنَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ يَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوَّلًا. لَقَدْ بَدَأَ الْأَنْبِيَاءُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمْ، وَدَعَوْهُمْ أَوَّلًا، وَبَشَّرُوهُمْ وَحَذَّرُوهُمْ.
وَلِلأقَارِبِ حُقُوقٌ عَلَى أَقَارِبِهِمْ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَنِيَ وَيَهْتَمَّ بِقَرِيبِه، وَيُسَاعِدَهُ فِي قَضَاءِ حَاجَاتِه، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِاعْتِدَالٍ. الصِّدْقُ وَالْعَدَالَةُ هُمَا مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُهِمَّةِ الْأُخْرَى الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فِي عَلَاقَةِ القَرَابَةِ. وَقِيمَةُ صِلَةِ الرَّحِمِ تَدُورُ حَوْلَ التَّعَارُفِ، وَالِاتِّحَادِ، وَالتَّنَافُسِ فِي الْخَيْرِ. الْمُسْلِمُ هُوَ مَنْ لَا يَنْتَهِكُ حُقُوقَ الآخَرِينَ مِنْ أَجْلِ حِمَايَةِ أَقَارِبِه، يَعْنِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّمَ حُقُوقَ أَقَارِبِه عَلَى حُقُوقِ الأَشْخَاص. وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الأَسَاسُ فِي عَلَاقَاتِنَا مَعَ الْأَقَارِبِ وَجَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا كُونُوا قَوَّامٖينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَٓاءَ لِلّٰهِ وَلَوْ عَلٰٓى اَنْفُسِكُمْ اَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْاَقْرَبٖينَۚ اِنْ يَكُنْ غَنِياًّ اَوْ فَقٖيراً فَاللّٰهُ اَوْلٰى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوٰٓى اَنْ تَعْدِلُواۚ وَاِنْ تَلْـوُٓ۫ا اَوْ تُعْرِضُوا فَاِنَّ اللّٰهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبٖيراً﴾
نَسْأَلُ اللَّهَ ألَّا يُفَرِّقَنَا عَنْ الحَقِّ وَالعَدَالَةِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَقَارِبَنَا سَبَبًا لِسَعَةِ الرِّزْق، ولِلْبَرَكَةِ فِي العُمْرِ، ولِلدُّخُولِ فِي الجَنَّةِ.