خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الرِّزْقُ الْحَلَالُ

10.05.2024
Kur'an Sayfa Tesbih Turuncu

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إنَّ الإِنسَانِيَّةَ تَعِيشُ فِي زَمَنٍ يَغْلِبُ فِيهِ الجَسَدُ عَلَى الرُّوحِ، وَالظَّاهِرُ عَلَى الْبَاطِنِ، وَالْمَادِّيُّ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ. نَحْنُ فِي زَمَنٍ يُقَدَّمُ ويُفَضَّلُ فِيهِ الأَشْيَاءُ الَّتِي تُلَبِّي احْتِيَاجِاتِنَا. لَقَدْ عَبَّرَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا الْوَضْعِ بِقَوْلٍ وَجِيزٍ قَائِلًا: “إنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ لِيَكُونَ مَحْبُوبًا، وَالْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ لِلِاسْتِعْمَالِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَقَضَاءِ الحَاجَاتِ. وَسَبَبُ الفَوْضَى فِي الدُّنْيَا هُوَ حُبُّ الأَشْيَاءِ وَاسْتِعْمَالُ النَّاسِ”.  كَوْنُ الظواهرِ جُعِلتْ وَاعْتُبِرَتْ حَقِيقَةً وَقَيِّمًا مَقْبُولَةً سَبَّبَ إلى نَتِيجَةِ انْعَدَامِ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَأَصْبَحَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ. كُلُّ سِلْعَةٍ يُمْكِنُ بَيْعُهَا وشِرَائُهَا وَالمُتَاجَرَةُ بِهَا اكْتَسَبَتْ قِيمَةً، وَكُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ كَالْفَضْلِ وَالشُّعُورِ وَالْقَنَاعَةِ وَالعِلْمِ وَالوَعْيِ أَصْبَحَ لَا قِيمَةَ لَهُ. عَلَى أنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَصِفُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِه: ﴿رِجَالٌۙ لَا تُلْهٖيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَاِقَامِ الصَّلٰوةِ وَاٖيتَٓاءِ الزَّكٰوةِۙ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فٖيهِ الْقُلُوبُ وَالْاَبْصَارُۙ﴾

 اِشْتِغَالُ المُسْلِم بِالتِّجَارَةِ بِطُرُقٍ حَلَالٍ جَائِزٌ بِالتَّأْكِيد، لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ لَا يُهْمِلَ الآخِرَةَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ مِنْ المَيْلِ إلَى الدُّنْيَا بَيْنَمَا يَبْحَثُ عَنْ الرِّزْقِ وَيَسْعَى إِلَى ثَرَوَاتِ الدُّنْيَا.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

دِينُنَا الْإِسْلَامُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِأَخْلَاقِ التِّجَارَةِ كَمَا يَأْمُرُنَا فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الحَيَاةِ. يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَاَوْفُوا الْكَيْلَ اِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقٖيمِؕ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَاَحْسَنُ تَأْوٖيلاً ﴾

يَجِبُ عَلَيْنَا فِي التِّجَارَةِ أنْ نَحْتَرِمَ حُقُوقَ الآخَرِينَ، وَألَّا نَتَجَاوَزَ حُدُودَهُمْ. دَعُونَا لَا نَخَسَرْ الآخِرَةَ مِنْ أَجْلِ الْأَرْبَاحِ، وَلَا نَنْس بِأَنَّنَا إذَا تَصَرَّفْنَا بِشَكْلٍ غَيْرِ أَخْلَاقِيّ فِي الْأَعْمَالِ التِّجَارِيَّةِ، وإذَا وَقُمْنَا بِبَيْعِ بَضَائِعَ مُزَيَّفَةٍ سَنَكُونُ قَدْ جَعَلْنَا أَوْلَادَنَا يَأْكُلُون مَالًا حَرَامًا. وَبِالإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نُرَاعِيَ الطَّرَفَ الآخَرَ فِي تِجَارَتِنَا. قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسُلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» ودَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مَنْ يَجِدُ هَذِهِ الأَوْصَافَ، وَوَضَّحَ لَنَا مَا يَجِبُ فِعْلُهُ فِي الْأَعْمَالِ التِّجَارِيَّةِ الَّتِي سَنَقُومُ بِهَا، خُصُوصًا فِي مُجْتَمَعِنَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قُدْوَةٌ بِأَعْمَالِنَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَهْمُنَا لِلتِّجَارَةِ مَبْنِيًّا عَلَى مَبْدَأِ الصِّدْقِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا نَنْسَ أَبَدًا أَنَّنَا نُمَثِّلُ الإِسْلَامَ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

لَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا عَلَى التِّجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالمَوْثُوقَةِ. لِأَنَّ الإِنْسَانَ بِسَبَبِ ضَعْفِهِ وخُسْرانِهِ دَائِمًا يَقْلَقُ عَلَى رِبْحِهِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَبِه يَنْتَهِكُ حُقُوقَ الآخَرِينَ. وَهَذَا خَطَأٌ كَبِيرٌ يُوَاجِهُهُ بَنِي آدَمَ. وَأَكْبَرُ ضَعْفٍ إِنْسَانِيّ يُسَبِّبُ ذَلِكَ هُوَ طُمُوحُ وَشَهْوَةُ المُمْتَلَكَاتِ الَّتِي يَصْعُبُ لِلإنْسَانِ التَّحَكُّمُ عَلَيْهَا. وَرَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْفِتُ الِانْتِبَاهَ إِلَى هَذَا الجَانِبِ مِنَ الإِنْسَانِ قَائِلًا: «لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» الَّذِينَ هُمْ عَبِيدٌ لِمَشَاعِرِهِمْ وَعَوَاطِفِهِمْ، لِلْأَسَفِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغِلُّوا النَّاسَ، وَيَتَصَرَّفُوا بِأَنَانِيَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفٖينَۙ ﴿١﴾ اَلَّذٖينَ اِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَاِذَا كَالُوهُمْ اَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَؕ ﴿٣﴾﴾

اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الرِّزْقُ الْحَلَالُ

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com