خطبة
لَا عُنْصُرِيَّةَ فِي دِينِنَا
15.02.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ يَٓا اَيُّهَا النَّاسُ اِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَاُنْثٰى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَـبَٓائِلَ لِتَعَارَفُواؕ اِنَّ اَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ اَتْقٰيكُمْؕ اِنَّ اللّٰهَ عَلٖيمٌ خَبٖيرٌ ﴿١٣﴾ ﴾
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
« لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْعُنْصُرِيَّةُ هِيَ أَنْ يَحْكُمَ الْإِنْسَانُ عَلى الْآخَرِ بِشَكْلٍ مُسْبَقٍ دُونَ مَعْرِفَتِهِ، وَالْعَدَاوَةِ، وَالتَّفْرِقَةِ فِي مُعَامَلَاتِهِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْعِرْقِ، أَوْ اللَّوْنِ، أَوْ الدِّينِ. وَفِي عَصْرِنَا هَذَا نُشَاهِدُ نَتَائِجَ نَاشِئَةً عَنْ هَذَا الْخَطَأِ كَالْحَرْبِ وَالظُّلْمِ والدُّمُوعِ. مَلَايِينٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي مَنَاطِقَ مُخْتَلِفَةٍ يَتَعَرَّضُون لِلْإِبَادَة الْجَمَاعِيَّة، وَاَلَّذِين يَبْقُونَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ وَطَنِهِم، ويَكُونُونَ لَاجِئِينَ. إِنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَبَّرُ عَنْ الشَّخْصِ الْآخَرِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ عَلَامَةٌ تُشِيرُ إلَى مَرَضٍ نَفْسِيٍّ يَحْتَاج لِلْعِلَاج.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ مِنْ فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا وَذَا شَأْنٍ. النَّاسُ الَّذِينَ لَمْ يَصِلُوا لِمَرْحَلَةِ النَّضْجِ الرُّوحِيّ يَسْعُونَ لِإِشْبَاعِ هَذِهِ الْمَشَاعِرِ مِنْ خِلَالِ أُصُولِهِمْ الْعِرْقِيَّةِ. وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْعُنْصُرِيَّةَ الَّتِي تُوَفِّرُهَا رَوَابِطُ الدَّمِ سَبَبًا لِلشُّعُورِ بِالْعُلُوّ. وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَعْلُوا بِاحْتِقَارِ مَنْ هُمْ مُخْتَلِفٌ عَنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). وَأَهَمُّ رِسَالَةٍ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْ هَذِهِ الآيَةِ هِيَ أَنْ الشُّهْرَةَ وَالشَّأْنَ وَالتَّكَبُّرَ لَيْسَتْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْقَبِيلَةِ وَالْقَوْمِ الَّذِي تَنْتَمِي إلَيْهِ. بِالْعَكْسِ الْعُلُوُّ يَكُونُ مِنْ خِلَالِ جَعْلِ الْخَيْرِ هُوَ الْمُسَيْطِرُ أَيْ مِنْ خِلَالِ قِيَامِنَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْبَشَرِيَّةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَبْدَأَ ضِدِّ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالقَوْمِيَّةِ: “ يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكُمْ واحدٌ، وإنَّ أبَاكُمْ واحدٌ، ألَا لَا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعْجَميٍّ، ولا لِعَجَميٍّ عَلَى عرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسْوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى …“ وَبِهَذِهِ الرِّسَالَةِ الْمُبَارَكَةِ أَظْهَرَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ فِكْرَهُ الَّذِي سَيَشْفِي التَّفْرِقَةَ النَّاتِجَةَ عَنِ الْعُنْصُرِيَّةِ. النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، لَا يَعْلُو أَحَدٌ إلَّا بِالتَّقْوَى، وَلَا أَحَدَ يَعْلُو عَلَى أَحَدٍ. إنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ النَّاسِ الَّتِي تُسَبِّبُ الظُّلْمَ بِدُونِ حَقٍّ هُوَ ظُلْمٌ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
إنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَهْدِفُ إِلَى أَنْ تَعِيشَ الْبَشَرِيَّةُ فِي سَلَامٍ وَطُمَأْنِينَةٍ عَلَى الْأَرْضِ حَرَّمَ كُلَّ أشْكَالِ الْعُنْصُرِيَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» إنَّ مُحَارَبَةَ الْعُنْصُرِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجُرْحُ الْمُشْتَرَكُ لِلْإِنْسَانِيَّةِ وَاجِبٌ مُهِمٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فِي الْإِسْلَامِ اللَّهُ وَاحِدٌ، وَمِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ التَعَدُّدُ والتَّنَوُّعُ. التَّنَوُّعُ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي بَيْنَ المَخْلُوقَاتِ فِي الْكَوْنِ هُوَ غِنًى. وَمِنْ مُتَطَلَّبَاتِ عَقِيدَتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ يُدْرَكَ أَنَّ كُلَّ الْبَشَرِيَّةِ جَاؤُوا مِنْ بَنِي آدَمَ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبْعِدَنَا عَنْ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالتَّفْرِقَةِ الَّتِي تُسَبِّبُ الْقَسْوَةَ وَالظُّلْمَ.
أَمِين