خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة اَلِاسْتِسْلَامُ لِلَّه
27.06.2023أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ أَدْرَكْنَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ عِيدًا آخَر، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ يَا رَبِّ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِكَ وَآلَائِك. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ آمِرًا كُلَّ مُسْتَطِيعٍ وَوَاجِدٍ بِأَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَةً: ﴿اِنَّٓا اَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَؕ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْؕ . اِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْاَبْتَرُ﴾.[1] وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذَا الْأَمْر: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾.[2]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُبَيِّنًا لِأَمَّتِهِ أَعْمَالَ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَك: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا».[3] وَيَرْجِعُ أَصْلُ الْأَمْرِ بِذَبْحِ الْأَضَاحِي إِلَى قِصَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَام، حَيْثُ فَدَى اللَّهُ تَعَالَى إِسْمَاعِيلَ بِكَبْشٍ لِيَذْبَحَهُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بَدَلاً مِنْ اِبْنِه. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ آمِرًا إِيَّاهُ بِاتِّبَاعِ هَدْيِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.[4] فَهَذِهِ الْأُضْحِيَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْنَا؛ مِنْ هَدْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَام.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ أَعْظَمَ دَرْسٍ يُمْكِنُ أَنْ نَسْتَخْرِجَهُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَإْسِمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هُوَ الْاِسْتِسْلاَمُ التَّامّ، اَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ تُجَاهَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى كَلِمَة ”اَلْإِسْلَام” فِي الْحَقِيقَة؛ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِلْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ بِلاَ اسْتِثْنَاء. قَالَ تَعَالَى مُعَبِّرًا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.[5] فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ، كُلُّ أُمُورِهِ لَه.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ مِنْ أَبْرَزِ الْحِكَمِ الَّتِي تَنْطَوِي عَلَيْهَا هَذِهِ الْعِبَادَةُ؛ اِنْتِشَارُ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ وَالتَّضَامُنِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِين. فَتَوْزِيعُ لُحُومِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ذَبْحِهَا لِلَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي إِيثَارًا لِلْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ، وَيُنَمِّي فِينَا رُوحَ التَّضْحِيَةِ وَالْوَحْدَة.
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شاةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَسَأَلَ النَّبيُّ ﷺ “مَا بَقِيَ مِنْهَا؟” فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: “مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا”، فَقَالَ ﷺ: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا».[6]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِذَبْحِ الْأَضَاحِي لِلَّهِ تَعَالَى وَبِتَوْزِيعِ لُحُومِهَا، -سَوَاءٌ تَوَلَّيْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ أَوْ وَكَّلْتُمْ بِهِ اَلْمُؤَسَّسَاتِ الْخَيْرِيَّة- فَإِنَّكُمْ بِذَلِكَ تُسَاهِمُونَ فِي تَنْمِيَةِ رَوْحِ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ كُلِّه. وَمَا أَحْوَجَنَا إِلَى تَقْوِيَةِ هَذِهِ الْأَوَاصِرِ بَيْنَنَا الْيَوْم.
اَلْأَضَاحِي اَلَّتِي وَكَّلْنَا بِهَا جَمْعِيَّةَ حَسَنَهْ اَلْخَيْرِيَّة، سَيَتِمُّ ذَبْحُهَا هَذَا الصَّبَّاحِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَالَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا أَعْمَالَنَا وَأَنْ يَجْعَلَهَا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِنَا. وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ وَالْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ كُلُّهَا بِخَيْر. عِيد سَعِيد مُبَارَك!
[1] سورة الكوثر
[2] سورة الحج: 28
[3] صحيح البخاري، كتاب العيدين، 3
[4] سورة النحل: 123
[5] سورة الأنعام: 162
[6] سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة، 3
خُطْبَةُ الْجُمُعَة اَلِاسْتِسْلَامُ لِلَّه