خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – إحياء الأشهر الثلاثة
20.01.2023أَيُّهَا المُسْلِمُون…
إِنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ اَلْكَائِنَاتِ مِنَ الْعَدَمِ قَدْ مَنَحْنَا نِعْمَةَ الْحَيَاةِ . فَلَا شَك أَنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ فِي حَيَاتِنَا ثَمِينَة. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ هُنَاكَ أَوْقَاتاً خَاصَّةً يَغْدِق فِيهَا اَللَّهُ تَعَالَى فَضْلَهُ عَلَى عِبَادِه. فَشَهْرُ رَجَبَ وَشَهْرُ شَعْبَانَ وَشَهْرُ رَمَضَانَ أَبْوَابُ نِعَمٍ تُفْتَحُ لَنَا الْوَاحِدَةُ مِنْهَا تِلْوَ اَلْأُخْرَى. وَهَذِهِ اَلْأَوْقَاتُ الْاِسْتِثْنَائِيَّةُ تُؤَدِّي إِلَى سَعَادَتِنَا الْمَادِّيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، وَإِلَى السَّلَامِ وَالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيْــــيَّـنَ. فِيهَا لَيْلَةُ اَلْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَلَيْلَةُ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَهِيَ كُلُّهَا تَدْفَعُنَا لِلتَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّل. وَشَهْرُ رَمَضَانَ يُزَكِّي أَرْوَاحَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَيَبْلُغُ ذُرْوَةُ اَلْبَرَكَةِ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى اَلْأَرْضِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر. وَلِهَذَا فَإِنَّ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ وَقْتٌ لِمُحَسَابَةِ أَنْفُسِنَا، ووَقْتُ التَّفَكُّرِ ، وَقْتُ الْعَوْدَةِ إِلَى أُصُولِنَا ، وَتَقْوِيَةِ أرواحِنا.
أَيُّها الإِخوَةُ الكِرَام……
إِنَّ الْعَصْرَ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ عَصْرُ السُّرْعَةِ وَالشَّهَوَات. فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قَدْ غَرِقُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فِي مَلَذَّاتِهَا ومَادِّيّاتِـهَا لَيْلاً ونَهَارا. وَمِنْ أَجْلِ وَضْعِ حَدٍّ لِهَذَا، فَإِنَّ عَلَيْنَا تَقْوِيَةَ أَرْوَاحِنَا مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذِهِ الْأَشْهُر مَوْسِمُ الْفُرَصِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا. وَلَابُدَّ لَنَا مِنْ تَحْوِيلِ هَذَا الْمَوْسِمِ الْمُمَيَّزِ إِلَى رَحْمَةٍ، بِتَطْهِيرِ أَرْوَاحِنَا ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اَللَّهِ ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ ، يَجِبَ أَنْ نُعِيدَ التَّفْكِيرَ فِي هَدَفِ وُجُودِنَا. وَقَدْ وَصَفَ الْقُرْآنُ الْمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاتَهُمْ وِفْقًا لِلغَايَةِ الَّتِي خُلِقُوا لَهُا بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ تَعَالَى:
“الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ”
إِخْوَةَ الإِيْمَان…….
إنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ يُنَظِّمُونَ حَيَاتَهُمْ وِفْقًا لِلْآيَةِ الَّتِي قَرَأَتُهَا آنِفًا، لِذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَقُومَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ بِإِدْرَاكِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَنْ نَعْبُدَ اللَّهُ بِكَثْرَةٍ ، وَنَتَوَجَّهَ إِلَى الْحَسَنَاتِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ، عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ مَغْفِرَةَ اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِنَا الْمَاضِيَةِ بِالتَّوْبَة . قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ لَافِتًا اِنْتِبَاهَنَا إِلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِقَوْلِهِ: “ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ ، دَعُوْنَا نَنْتَقِلْ إِلَى رَبِّنَا بِكُلِّ كِيَانِنَا. دَعُونَا نَبْذُلْ وُسْعَنَا لِكَسْبِ مَرْضَاتِهِ جَلَّ جَلَالُه . نَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يُلَيِّنَ قُلُوبَنَا بِالرَّحْمَةِ ، وَأَنْ يُنْعِشَ أَرْوَاحَنَا بِالسَّخَاءِ ، وَأَنْ يُطَهِّرَ أَرْوَاحَنَا بِالِابْتِعَادِ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَنْفَعُنَا.
وَلْيَكُنْ شِعَارُنَا: اَلْعَيْشُ بِإِخْلَاص ، وَالتَّنَافُسُ فِي الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى.
إِخوَانِي الأَعِزَّاء….
إِنَّ رَجَباً وَشَعْبَانَ اِسْتِعْدَادٌ لِشَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ . رُوِيَ عَنْ نَبِيِّنَا الْحَبِيبِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”اللَّهمَّ بارِك لنا في رَجبٍ وشعبانَ وبلِّغنا رمضانَ”
عَلَيْنَا أَنْ نُولِيَ أَرْوَاحَنَا أَهَـمِّــيَّــــةً وَنَزِيدَ مِنْ عِبَادَتِنَا وَأَذْكَارِنَا فِي هَذِهِ الْأَشْهُر . وَأَنْ نُخْبِرَ أَطْفَالَنَا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَنُشَجِّعَهُمْ عَلَى الْعِبَادَة . بَعْدَ شَهْرَيْنِ يَجِبُ أَنْ نَبْدَأَ الصِّيَامَ وِفْقَاً لسُنَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَنُزَكِّيَ أَنْفُسَنَا. فَيَجِبُ أَنْ نَعْمَلَ مِنَ الْآنَ عَلَى أَدَاءِ صِلَاتِنَا جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي حَلَقَاتِ الْعِلْمِ وَالْإِرْشَاد.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسْعِدَ أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَيَجْعَلَهَا وَسِيلَةً لِيُنْعِمَ عَلَيْهَا بِالْوَعْي وَالْبَصِيرَةِ وَالْعِبَادَةِ الْخَالِصَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.