خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – اَلْمَسَاجِد: عُنْوَانُ التَّسَانُدِ الْاِجْتِمَاعِيّ
08.09.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَيْشِ بِمُفْرَدِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنِ النَّاس. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَائِنٌ اِجْتِمَاعِيٌّ بِطَبْعِه. فَلَا بُدَّ حَتَّى يَعِيشَ عَيْشَةً صَحِيحَةً، أَنْ تَكُونَ لَهُ عَلاَقَاتٌ اِجْتِمَاعِيَّةٌ تَرْبِطُهُ بِالنَّاسِ الْآخَرِينَ مِنْ حَوْلِه. وَهَكَذَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ مُحَاطًا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَلَاقَاتِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، اِبْتِدَاءً مِنْ أُسْرَتِهِ الَّتِي يَنْشَأُ فِيهَا، إِلَى سَائِرِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يَتَوَاجَدُ فِيهَا. وَنَفْسُ هَذَا الْأَمْرِ يَنْطَبِقُ عَلَى الْجَانِبِ الدِّينِيِّ مِنْ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ أَيْضًا. فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَرْسُمُ وَيُشَكِّلُ لَنَا حَيَاتَنَا الْاِجْتِمَاعِيَّةَ أَيْضًا. وَمِنْ أَهَمِّ مَبَادِئِ دِينِنَا الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْخُصُوصِ، مَبْدَأُ التَّكَافُلِ وَالتَّسَانُدِ الْاِجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِين. فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْع: «بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِم».[1] فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ السَّبْعَةَ كُلَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِتَنْظِيمِ عَلاَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ الْاِجْتِمَاعِيَّة.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَدْ خَلَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُحْتَاجِيْنَ إِلَى بَعْضِنَا الْبَعْض. وَتَفَرُّدُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ أَمْرٌ يَسْتَجْلِبُ لَهُ الْآفَاتِ الرُّوحِيَّة. وَيُقَرِّرُ عِلْمُ النَّفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْدَةَ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْاِكْتِئَابِ وَالْمَلَنْخُولِيَا. وَلَا يَصِحُّ طَبْعًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ الْوَحْدَةِ، أَنْ نَزُجَّ بِأَنْفُسِنَا فِي عَلاَقَاتٍ عَشْوَائِيَّةٍ نَرْتَبِطُ بِهَا خَبْطًا بِلَا حِسَابٍ وَلَا تَفَكُّر. فَإِنَّ شَخْصِيَّةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَأَخْلَاقَهُ تُمَثِّلُ اِنْعِكَاساً لِمُتَوَسِّطِ أَخْلَاقِ الْأَشْخَاصِ الْمُحِيطِيْنَ بِه. لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَوَقَّفَ وَيَتَرَوَّى وَيَعْمَلَ حِسَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَلَاقَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ مَعَ إِنْسَانٍ آخَر. وَالْجَدِيرُ بِالْمُسْلِمِ الْوَاعِي أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الْمَسَاجِد اَلَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى؛ مِحْوَرَ عَلَاقَاتِهِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَمَرْكَزَهَا. وَعَنِ الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾.[2]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَيْسَتِ الْمَسَاجِدُ أَمَاكِنَ صَلَاةٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَحَسْب. بَلْ إِنَّ تَكْوِينَ شَخْصِيَّةِ الْمُسْلِمِ وَحِفْظَهَا، فِي الْمَسَاجِدِ يَكُون. وَالتَّعَاوُنُ وَالْمُعَاشَرَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ يَكُون. فَالْمَسَاجِدُ أَمَاكِنُ حَلٍّ لِمُشْكِلَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَاكِنُ إِحْيَاءٍ لِلْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّة بَيْنَنَا. فِيهَا تُقَامُ الفَعَّالِيَّاتُ لِلصِّغَارِ وَالْكِبَار، وَفِيهَا تُرَبَّى الأَجْيَال، وَفِيهَا تُنَظَّمُ الْمُسَاعَدَاتُ لِلْمَظْلُومِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ فِي الْعَالَم. فَالْمَسَاجِدُ إِلَى جَانِبِ كَوْنِهَا دُورَ عِبَادَةٍ وَذِكْر، فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ مَرَاكِزُ لِحَيَاتِهِمُ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ عُمُومًا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ الْمَسَاجِدَ أَمَاكِنَ لِقَائِنَا، وَأَنْ نَتَآلَفَ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ أَصْحَابِنَا. وَلَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ عَلَى أَهَمِّيَّةِ اِعْتِيَادِ الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ ؐ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان».[3] فَعَلَيْنَا أَنْ نَعْتَادَ الْمَسَاجِدَ، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّهَا بَرُّ الْأَمَانِ لِلْمُسْلِمِين. عَلَيْنَا أَنْ نُعَمِّرَ مَسَاجِدَنَا وَنُرَبِّيَ أَجْيَالَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا. قَالَ تَعَالَى: ﴿ِإِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّٰهِ مَنْ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْاٰخِرِ وَاَقَامَ الصَّلٰوةَ وَاٰتَى الزَّكٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ اِلَّا اللّٰهَ فَعَسٰٓى اُولٰٓئِكَ اَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدٖينَ﴾.[4]
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ مَسَاجِدِهِ، وَمِنَ الْمُتَعَاوِنِينَ فِي سَبِيلِه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] صحيح البخاري، كتاب الاستئذان، 8
[2] سورة الجن: 18
[3] ابن ماجه، كتاب المساجد، 19
[4] سورة التوبة: 18
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – اَلْمَسَاجِد: عُنْوَانُ التَّسَانُدِ الْاِجْتِمَاعِيّ