خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – تَأْسِيسُ الْبُيُوتِ عَلَى قَوَاعِدَ مَتِينَة
16.06.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ وَفَطَرَهُ عَلَى الْاِحْتِيَاجِ إِلَى زَوْجٍ يَسْكُنُ إِلَيْه. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.[1] وَلِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ الْفِطْرِيَّةِ، وَمُسَانَدَةِ الْبَعْضِ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إِلَى الزَّوَاجِ مِنَ الْآخَر. وَقَدْ صَدَقَ الْمَثَلُ الْقَائِل: “اَلْوَحْدَانِيِةُ يَنْفَرِدُ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَه”. فَالزَّوَاجُ وَالْإِنْجَابُ، حَقٌّ وَوَاجِبٌ لَا بُدَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهَا، لِيَنْجُوَ مِنْ كُرَبِ الْوَحْدَةِ وَيَشْعُرَ بِسَعَادَةِ الْأُنْس.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
نُشَاهِدُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ نِسْبَةَ الزَّوَاجِ قَدْ قَلَّتْ كَثِيرًا، وَأَصْبَحَ النَّاسُ وَكَأَنَّهُمْ يَفِرُّونَ مِنَ الزَّوَاجِ فِرَارًا. وَخَاصَّةً فِي الْمُدُنِ الْكَبِيرَةِ، أَصْبَحَ مَا يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ الْوَحَدَاتِ السَّكَنِيَّةِ فِيهَا، يَسْكُنُهُ الْأَفْرَادُ لَا الْأُسَر. وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى الزَّوَاجِ عَلَى أَنَّهُ عِبْءٌ مَادِّيٌّ وَمَعْنَوِيّ. بَيْنَمَا يَقُولُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿وَاَنْكِحُوا الْاَيَامٰى مِنْكُمْ وَالصَّالِحٖينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَاِمَٓائِكُمْؕ اِنْ يَكُونُوا فُقَـرَٓاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهٖؕ وَاللّٰهُ وَاسِعٌ عَلٖيمٌ﴾.[2] وَنَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ كَذَلِكَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الزَّوَاجِ بِالنِّسْبَة لِلْإِنْسَانِ، وَقَالَ: «مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الْإِيمَان، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي».[3]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا نُشَاهِدَ كَذَلِكَ أَنَّ سِنَّ الزَّوَّاجِ فِي الْمُجْتَمَعِ قَدْ تَأَخَّر. بَيْنَمَا أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ ؐ الشَّبَابَ بِالزَّوَاجِ وَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَاب، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْج».[4] فَالزَّوَاجُ فِي سِنٍّ مُبَكِّرٍ يَجْعَلُ فِي حَيَاةِ الشَّابِّ اِسْتِقْرارًا، وَيَحْفَظُهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، إِلَى جَانِبِ فَوَائِدَ أُخْرَى كَثِيرَة. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَقَعُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَيْضًا وَاجِبَاتٌ مُهِمَّةٌ فِي هَذَا الْخُصُوص. قَال ؐ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، وَلَا تُنَفِّرُوا».[5] فَيَجِبُ عَلَى أُسَرِ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَتَجَنَّبَا تَعْقِيدَ الْأُمُورِ وَتَضْيِيقَهَا بِاسْمِ الْعَادَاتِ وَالثَّقَافَات. وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَجَنَّبُوا الْإِسْرَافَ وَالتَّفَاخُرَ فِي أَعْرَاسِهِم. وَخَاصَّةً فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي يُعَانِي فِيهِ النَّاسُ مِنْ غَلَاءِ الْأَسْعَارِ، يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِمْ تَجَنُّبُ إِغْرَاقِ الشَّابِّ الْمُتَزَوِّجِ فِي الدُّيُون. عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ أَنْ يَحُولُوا دُونَ انْجِرَافِهِمْ فِي الدُّيُونِ فِي بِدَايَةِ حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَّةِ، اَلَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِيهَا سُعَدَاءَ، بِعِيدِينَ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْ هَمِّ الدَّيْن.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُؤَسِّسُ بُيُوتَنَا، اَلَّتِي سَتُرَبَّى فِيهَا أَجْيَالُ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ نَنْتَبِهَ لِحُدُودِ اللَّهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَام. وَلَا نَتَخَطَّى حُدُودَ اللَّهِ هَذِهِ فِي أَعْرَاسِنَا الَّتِي تُبْرِزُ مَدَى إِخْلَاصِنَا لِدِينِنَا. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: “دَائْرَةُ الْحَلَالِ أَوْسَعُ مِنْ دَائِرَةِ الْحَرَام”، فَهِيَ تَسَعُ لِلْمُتَعِ وَالْمَلَذَّاتِ، لَكِنْ بِضَوَابِط. وَالْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُؤَسَّسْ عَلَى قَوَاعِدَ رَاسِخَةٍ، وَالَّذِي لَمْ تُرَاعَ مَرْضَاةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَأْسِيسِهِ، يَشُقُّ عَلَيْهِ الْاِسْتِمْرَارُ عَلَى الْوُدِّ وَالْاِطْمِئْنَان. أَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي رُوعِيَ فِيهِ رِضَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَإِنَّ حَافِظَ هَذَا الْبَيْتِ وَوَاقِيَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمَنْ كَانَ اللَّهُ حَافِظَهُ أَمِنَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَاطْمَأَنّ.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَ شَبَابَنَا الزَّوَاجَ بِالسَّبِيلِ الْحَلَالِ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ سَعَادَةَ الدَّارَيْن. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة الروم: 21
[2] سورة النور: 32
[3] الكافي الشاف، لابن حجر، 201
[4] صحيح البخاري، كتاب النكاح، 3؛ صحيح مسلم، كتاب النكاح، 1
[5] صحيح البخاري، كتاب العلم، 11، كتاب الأدب، 80
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – تَأْسِيسُ الْبُيُوتِ عَلَى قَوَاعِدَ مَتِينَة