خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – اِلْتِزَامُ دَائِرَةِ الْحَلَال
19.05.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مِنْ أَهَمِّ مَفَاهِيمِ دِينِنَا الْإِسْلَام. وَبِشَكْلٍ عَامّ، تُسَمَّى الْأُمُورُ الَّتِي يَأْذَنُ بِهَا الْإِسْلَامُ بِالْحَلَالِ، وَتُسَمَّى الْأُمُورُ الَّتِي يَمْنَعُهَا بِالْحَرَام. وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يُرَاعِي أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيَه، يَكُونُ فِي بَحْثٍ دَائِمٍ عَنِ الْحَلَالِ مِنَ الْأُمُورِ، وَيَحْذَرُ مُجَاوَزَتَهَا إِلَى الْمُحَرَّمَات. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَٓا اَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْاَرْضِ حَـلَالاً طَـيِّباًؗ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِؕ اِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبٖينٌ﴾.[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ عِبَادَهُ تَائِهِينَ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا مُرْشِدٍ فِي مَجَالٍ مِنْ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا يَفْعَلُونَ وَمَا يَذَرُون. فَرَسَمَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ حُدُودَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيث. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.[2] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ وَهُوَ يُبَيِّنُ لَنَا حُدُودَ الْحَلَالِ وَالْحَرَام: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَال، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَام، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْو».[3] فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَذَرْنَا تَائِهِينَ، وَهَدَانَا سَبِيلَ الْخَيْرِ وَسَبِيلَ الشَّرِّ، وَبَيَّنَ لَنَا حَلَالَهُ وَحَرَامَه.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْعَلَ رَبَّهُ وَمَوْلَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِحْوَرَ حَيَاتِهِ وَمَرْكَزَهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ يَدُورُ حَوْلَهُ وَيَكُونُ تَابِعًا لَه. وَعَلَيْهِ أَنْ يُوقِنَ بِأَنَّ كُلَّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ يَفْعَلُهُ سَيُعْرَضُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَسَيُسْأَلُ عَنْهُ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى. فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فِيمَا يُرْضِي مَوْلَاهُ عَزَّ وَجَلّ. وَقَدْ دَعَانَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ نَجْعَلَ كُلَّ أَعْمَالِنَا لَهُ، فَنَحْيَى لَهُ وَنَمُوتُ لَهُ سُبْحَانَه، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.[4] وَحَتَّى يَكُونَ مَحْيَانَا لِلَّهِ وَمَمَاتُنَا لِلَّه، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نَكُونَ مُلْتَزِمِينَ بِحُدُودِ الْحَلَالِ وَالْحَرَام.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
اَلْحَلَالُ وَالْحَرَامُ لَيْسَا مَقْصُورَينِ عَلَى الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَات فَقَط. لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ عَلَيْنَا مِنْ مُرَاعَاةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيمَا نَأْكُلُهُ وَنَشْرَبُه. لَكِنَّ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ يَشْمَلَانِ جَوَانِبَ حَيَاتِنَا كُلَّهَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا شَأْنٌ مِنْ شُؤُونِنَا. وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَوَخَّى الْحَلَالَ فِيمَا نَأْكُلُهُ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَوَخَّى الْحَلَالَ فِي الْمَالِ الَّذِي نَكْسِبُه. وَقَدْ نَبَّهَنَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ عَلَى خُطُورَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَقَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَال، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَام».[5] ذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِسْلَامِ مِيزَانًا لِحِلِّ الْمُعَامَلَاتِ وَحُرْمَتِهَا، وَلِحِلِّ الْمَصْرُوفَاتِ وَحُرْمَتِهَا. وَيَأْتِي عَلَى رَأْسِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ: اَلْإِسْرَاف. فَالْإِسْرَافُ هُوَ الْإِفْرَاطُ فِي الشَّيْءِ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِيه. وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ لَنَا مَوَازِينَ الْاِعْتِدَالِ فِي كُلِّ شَيْء، فَلَا يَسَعُنَا مُجَاوَزَةُ هَذَا الْاِعْتِدَال، لَا فِي طَعَامِنَا وَلَا فِي شَرَابِنَا، وَلَا فِي مَكْسَبِنَا وَمَصْرَفِنَا، بَلْ وَحَتَّى فِي مَلْبَسِنَا وَتِرْحَالِنَا وَإِجَازَاتِنَا. إِنَّنَا وَلَوْ كُنَّا وَاجِدِينَ لِلْمَالِ، فَإِنَّنَا بِقَصْرِ اِسْتِهْلَاكِنَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِنَا نُرَجِّحُ حَيَاةً أَكْثَرَ تَوَاضُعًا. فَإِنَّ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِك. فَمَنِ ابْتَغَى مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبَهَا فِي الدُّنْيَا، كَانَتْ لَهُ جَنَّاتُ النَّعِيمِ فِي الْآخِرَة.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنِ الْتَزَمُوا حُدُودَهُ فِيمَا أَحَلَّ وَفِيمَا حَرَّمَ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا سَعَادَةَ الدَّارَيْن. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة البقرة: 168
[2] سورة البقرة: 172
[3] سنن الترمذي، كتاب اللباس، 6؛ سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، 60
[4] سورة الأنعام: 162
[5] صحيح البخاري، كتاب البيوع، 23