خطبة
لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان
11.03.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ قَدْ أَطَلَّ عَلَيْنَا بِظِلَالِهَا. وَسَتَكُونُ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ الْقَادِمِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتُسَمَّى هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْمُبَشِّرَةُ بِقُدُومِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِلَيْلَةِ الْبَرَاءَةِ أَيْضًا، إِشَارَةً إِلَى التَّبَرُّؤِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، لِمَا وَرَدَ مِنْ سَعَةِ عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَة.
وَلَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ؐ أُمَّتَهُ وَحَفَّزَهُمْ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَقَالَ ؐ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُول: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَه، أَلَا مُسْتَرْزِقٍ فَأَرْزُقَه، أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَه، أَلَا كَذَا، أًلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْر».[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّنَا كَبَشَرْ، لَسْنَا مَعْصُومِينَ عَنِ اقْتِرَافِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَا يَكَادُ يَنْجُو يَوْمِيًّا مِنْ ذَنْبٍ يُصِيبُهُ بِسَبَبِ جَهَالَةٍ أَوْ تَقْصِيرٍ مِنْه. لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَقْطَعُ أَمَلَهُ بِرَحْمَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَفْوِهِ الْوَاسِع، مَهْمَا كَانَ حَالُه. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاِذَا جَٓاءَكَ الَّذٖينَ يُؤْمِنُونَ بِاٰيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلٰى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَۙ اَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُٓوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهٖ وَاَصْلَحَ فَاَنَّهُ غَفُورٌ رَحٖيمٌ﴾.[2] وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فِي حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ وقَال: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي».[3]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ النَّبِيَّ ؐ اَلَّذِي هُوَ أُسْوَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَقُدْوَتُهُمْ، كَانَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَة. وَمِمَّا أُثِرَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ؐ قَالَ: «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْك، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك».[4] فَعَلَيْنَا كَأُمَّتِهِ ؐ أَنْ نَلْجَأَ إِلَى مَوْلَانَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا لَجَأَ إِلَيْهِ نَبِيُّنَا ؐ، وَأَنْ نَسْأَلَهُ سُبْحَانَهُ اَلْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالصَّفْحَ عَنْ ذُنُوبِنَا وَخَطَايَانَا، خُصُوصًا فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الْمُبَارَكَة، مِثْلَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ. وَعَلَيْنَا أَنْ نُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اِسْمِهِ “الْعَفُوّ” سُبْحَانَه. وَأَنْ نُوقِنَ بِأَنَّ مَوْلَانَا الْكَرِيمَ لَا يَرُدُّ سَائِلًا لَجَأَ إِلَيْهِ وَطَرَقَ بَابَ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِه.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
فَلْنَقْصِدْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ مَسَاجِدَنَا، بِأَهْلِنَا وَأَوْلَادِنَا جَمِيعًا، كَيْ نَسْتَفِيدَ مَعًا مِنْ نَفَحَاتِ هَذِهِ اللَّيْلَة. وَلْنُذَكِّرْ جِيرَانَنَا وَأَحِبَّاءَنَا بِهَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلْنُرَاسِلْ مَعَارِفَنَا لِنُخْبِرَهُمْ بِفَضْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَبَرَكَتِهَا، وَلْنَدْعُهُمْ إِلَى حُضُورِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ فِي مَسَاجِدِنَا.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَصْفَحَ عَنَّا جَمِيعًا صَفْحَهُ الْجَمِيلُ بِبَرَكَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَأَنْ يَفْتَحَ عَلَيْنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَبَرَكَتِه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سنن ابن ماجه، الحديث رقم: 1388
[2] سورة الأنعام: 54
[3] صحيح البخاري، كتاب التوحيد، 15، كتاب بدء الخلق، 1؛ صحيح مسلم، كتاب التوبة، 14
[4] صحيح مسلم، كتاب الصلاة، 222