خطبة
10.12.2021أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لاَ شَكَّ أَنَّ مِنْ أَبْرَزِ خَصَائِصِ دِينِ الْإِسْلَامِ؛ تَقْدِيرُهُ لِلْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ وَالْبَحْثِ وَالتَّفَكُّر. وَكَثِيرًا مَا يَحُثُّ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾.[1] ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ﴾.[2] ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾.[3] ذَلِكَ أَنَّ دِيْنَ الْإِسْلاَمِ قَدْ جَاءَ لِيُخْرِجَ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ إِلَى نُورِ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَة.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَكْفِي لِكَيْ نَفْهَمَ قِيمَةَ الْعِلْمِ وَقَدْرَهَا فِي الْإِسْلاَم؛ أَنْ نُصْغِيَ إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ؐ هَذَا. يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَة، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاَه، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّم».[4] فَقَدْ أَوْضَحَ النَّبِيُّ ؐ أَنَّ كُلَّ مَا يُشْغِلُ الْإِنْسَانَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَلْعُونَةٌ، وَأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقِيَامَ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تُرْضِيهِ سُبْحَانَهُ، وَطَلَبَ الْعِلْمِ الَّذِي يُقَرِّبُنَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرْطٌ لِنَيْلِ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.[5]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ وَبَّخَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أُولٰئِكَ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَوْن، وَالَّذِينَ لاَ يُعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ وَلاَ يَتَفَكَّرُون. وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْ يَتَفَكَّرُوا وَيُقَوُّوا إِيْمَانَهُمْ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَة. يَقُولُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾.[6] وَذَلِكَ لِأَنَّ بُلُوغَ الْعَبْدِ مَرْتَبَةَ الْإِيمَانِ التَّحْقِيقِيّ، اَلَّذِي لاَ يُدَانِيهِ أَدْنَى شَكّ، أَمْرٌ عَسِيرٌ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّر.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عُلُوَّ مَنْزِلَةِ أَصْحَابِ الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.[7]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ مَكَانَ الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ لِإِصْلاَح النَّاسِ وَمَكَانَ الْعِلْمِ الَّذِي تَحْتَوِيهِ آيَاتُهُ لَيْسَ هُوَ رُفُوفُ الْمَكْتَبَات، بَلْ إِنَّ مَكَانَهُ هُوَ صُدُورُ الْعُلَمَاء. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا: ﴿بَلْ هُوَ اٰيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فٖي صُدُورِ الَّذٖينَ اُوتُوا الْعِلْمَ ط وَمَا يَجْحَدُ بِاٰيَاتِنَٓا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾.[8]
وَإِنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ ؐ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، قَدْ بَذَلُوا الْجُهُودَ الْكَبِيرَةَ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ وَلِنَشْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِشَتَّى الطُّرُقِ، اِمْتِثَالاً لِقَوْلِهِ ؐ: «كُنْ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ مُحِبّاً أَوْ مُتَّبِعاً، وَلاَ تَكُنِ الْخَامِسَ فَتَهْلِك».[9] وَلِهَذَا التَّنْبِيهِ النَّبَوِيِّ كَانَتْ أُمَّةُ الْإِسْلاَمِ دَائِمًا تُكِنُّ الْحُبَّ وَالتَّعْظِيمَ لِلْعِلْمِ وَلِلْعُلَمَاء.
وَالَّذِي يَقَعُ عَلَى عَاتِقِنَا هُوَ أَنْ نَنْظُرَ فَنُحَدِّدَ السُّبُلَ وَالْوَسَائِلَ الَّتِي تُسَاعِدُنَا نَحْنُ وَأُسَرَنَا عَلَى التَّطَوُّر، فَنَسْتَفِيدَ مِنْ هَذِهِ السُّبُل. وَلْنَبْذُلْ كُلَّ مَا بِوُسْعِنَا لِنَجَاحِ أَوْلاَدِنَا. وَبِإِمْكَانِكُمْ فِي هَذَا الْإِطَارِ أَنْ تُسَجِّلُوا أَوْلاَدَكُمْ فِي بَرَامِجِ التَّعْلِيمِ اَلَّتِي تُقَامُ آوَاخِرَ الْأُسْبُوع. وَلْنُوَجِّهْ شَبَابَنَا إِلَى بَرامِجِ الشَّبَابِ الْمُتَنَوِّعَةِ، مِثْلَ بَرْنَامِج “يِلْدِز” وَغَيْرِهَا. وَلْنَمْضِ جَمِيعًا فِي رِحْلَةِ الْعِلْمِ مِنَ الْمَهْدِ إِلَى اللَّحْدِ، بِالْوَسَائِلِ الْمُتَاحَةِ أَمَامَنَا مِثْلَ دَوْرَاتِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَجَالِسِ الْأَرْقَم، وَأَكَادِيمِيَّة الْقَلَم، وَغَيْرِهَا مِنَ النَّدَوَاتِ الْعِلْمِيَّةِ.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا وَعَمَلاً وَاحْتِرَامًا لِلْعُلَمَاءِ، وَأَنْ يُقَوِّيَ إِيمَانَنَا بِالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّر. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه، آمِين.
[1] سورة يس: ٦٨
[2] سورة طه: ٨٩
[3] سورة محمد: ٢٤
[4] سنن الترمذي، كتاب الزهد، ١٤، الحديث رقم (٢٣٢٢)
[5] انظر: تحفة الأحوذي (١٩٩٠)، للمباركفوري، ٦\٥٠٤-٥٠٥
[6] سورة النساء: ١٣٦
[7] سورة الزمر: ٩
[8] سورة العنكبوت: ٤٩
[9] الإبانة، لابن بطة، ١\٣٤١، الحديث رقم (٢١٠)
خطبة الجمعة ١٠\١٢\٢٠٢١ – مَفْهُومُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لَدَيْنَا