خطبة
خطبة الجمعة ١٠\٩\٢٠٢١ حياة المؤمن التجارية والعملية
10.09.2021أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الكِرَام،
إِنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُنَا أَنْ نَطْلُبَ الرِّزْقَ وَنَكْتَسِبَ نَفَقَةَ عَائِلَاتِنَا بِطُرُقٍ حَلَالَة. فَالِاشْتِغَالُ بِالتِّجَارَةِ وَالعَمَلِ وَظِيفَتُنَا وَأَمْرٌ مَمْدُوح. فَمِنْ خَصَائِصِ المُؤْمِنِ رِعَايَةُ حُدُودِ الشَّرْعِ وَحُقُوقِ العِبَادِ حِينَ يَشْتَغِلُ بِالعَمَلِ وَالتِّجَارَة. فَلَا يُتَصَوَّرُ عَكْسُ ذٰلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَنْ يُخِلَّ حُقُوقَ عُمَّالِهِ وَمُشْتَرِيه.
إِخْوَتِي الأَعِزَّاء،
إِنَّ غَايَةَ وُجُودِنَا هِيَ السَّعَادَةُ فِي الدَّارَيْن. وَإِنَّا إِذَا أَرَدْنَاهَا فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ مَعِيشَةٍ تُقَرِّبُنَا إِلَى رِضَا البَارِئِ تَعَالَى. وَتَدْخُلُ فُيهَا حَيَاتُنَا التِّجَارِيَّة. فَنَقْرَأُ فِي قِصَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ (عَلَيْهِ السَّلَام) أَنَّهُ حِينَما أَصَرَّ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ وَأَحْكَامِ التِّجَارَةِ إِلَى قَوْمِهِ، اسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ اَصَلٰوتُكَ تَأْمُرُكَ اَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ اٰبَٓاؤُنَٓا اَوْ اَنْ نَفْعَلَ فٖٓي اَمْوَالِنَا مَا نَشٰٓؤُا ط اِنَّكَ لَاَنْتَ الْحَلٖيمُ الرَّشٖيدُ﴾[1] فَنَتَعَلَّمُ مِنْ هٰذِهِ الآيَاتِ أَنَّ أَحْكَامَ التِّجَارَةِ مِثْلُ الصَّلَاةِ فِي كَوْنِهَا مُحْكَمَةً حَتَّى لَا تَنْفَكُّ عَنْ دِينِنَا. فَإِذَا لَمْ نُرَاعِهَا ابْتَعَدْنَا عَنْ رِضَا رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَ- حَفِظَنَا اللَّهُ – دَخَلْنَا فِي الزُّمْرَةِ المَذْمُومَةِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفٖينَ ❊ اَلَّذينَ اِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ❊ وَاِذَا كَالُوهُمْ اَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾[2] فَعُبِّرَ فِي هٰذِهِ الآيَاتِ عَنْ مِعْيَارِ أَخْلَاقِنَا التِّجَارِيَّةِ وَالعَمَلِيَّةِ بِشَكْلٍ وَجِيز. فَعَلَيْنَا أَنْ لَا نَحْتَالَ عَلَى أَحَدٍ فِي بُيُوعِنَا كَمَا لَا نُحِبُّ أَنْ يُحْتَالَ عَلَيْنَا.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء،
لَا نَحِدْ أَبَدًا عَنِ الصِّدْقِ وَقِيَمِنَا لِلْحُصُولِ عَلَى الزِّيَادَةِ مِنَ المَال. كَذٰلِكَ لَا نُهْمِلْ عِبَادَاتِنَا أَبَدًا لِشُغْلٍ أَوْ تِجَارَة. فَإِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا، اِهْتَمَّ بِالحَلَالِ وَأَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ ذَخِيرَةً لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة. وَإِنَّ المُؤْمِنَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّازِقُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُبَارَكَ فِي أَمْوَالِهِ إِلَّا إِذَا حَصَلَ عَلَيْهَا بِطَرِيقٍ مُبَاح.
يَا إِخْوَتِي الكِرَام،
العَمَلُ وَالتِّجَارَةُ وَسَدُّ حَاجَاتِ المُجْتَمَعِ أُمُورٌ يَحُثَّ عَلَيْهَا دِينُنَا. فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَشْتَغِلُ وَيَكْتَسِبُ مِنَ الحَلَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَاطِلِ الكَسْلَانِ يَعِيشُ عَلَى كَسْبِ غَيْرِه. وَإِنَّ مَقَامَ التَّاجِرِ المُحْسِنِ لَعَالٍ. فَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ القِيَامَة»[3] جَعَلَنَا اللَّهُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ الأُمَنَاءِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الرِّزْقَ مِنَ الحَلَالِ حَتَّى يُبَارَكَ فِي أَمْوَالِنَا. وَجَعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه. آمين
[1] سورة المطفّفين:١-٣
[2] سورة هود:٨٧
[3] سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، رقم الحديث (٢١٣٩)