خطبة
خطبة الجمعة ١٨\٦\٢٠٢١ ما ظنّنا باللّٰه؟
18.06.2021يَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ المُحْتَرَمُون،
الإيمَانُ هُوَ الاِقْتِنَاعُ والاِئْتِمَانُ وَالتَّصْدِيقُ بِاللّٰهِ. وَإِنَّ الإِيمَانَ قَوْل، وَالإِسْلَامُ عَمَل. وَالأَعْمَالُ تُعَبِّرُ عَنْ صِدْقِ العِبَارَاتِ. إِذَا اسْتَقَامَ الإِيمَانُ اسْتَقَامَتِ الأَعْمَال. وَإِنَّ الإِيمَانَ قَالِبٌ، وَالأَعْمَالُ عَجِينٌ. وَإِنَّمَا يَقْبَلُ كُلُّ عَجِينٍ شَكْلَ قَالِبِه. إِذَا كَانَ القَالِبُ فَاسِدًا أَوْ نَاقِصًا سَيَكُونُ المَنْتُوجُ فَاسِدًا. وَقُوَّةُ الإِيمَانِ تَتَبَيَّنُ بِالأَعْمَالِ.
يُعَبِّرُ عَنْهُ رَبُّنَا تَعَالٰى بِقَوْلِهِ ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلٰى شَاكِلَتِه﴾[1]
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ الأَعِزَّاء،
إِنَّ الإِيمَانَ بِاللّٰهِ هُوَ طَرِيقٌ عامٌّ لِلإِسْلَامِ غَايَتُهُ الجَنَّة. وَالإِسْلَامُ هُوَ اتِّبَاعُ هٰذَا الطَّرِيقِ مُسْتَقِيمًا بِالعِبَادَاتِ والصَّالِحَاتِ وَالأَخْلَاقِ وَالعَدَالَةِ. يُعْطِينَا اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِحْدَاثِيَّاتِ بِقَوْلِه ﴿اِنَّ الَّذٖينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَـتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلٰٓئِكَةُ اَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتٖي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾[2]
إِخْوَتِي الأَعِزَّاء،
إِنَّا لَا نُؤْمِنُ بِرَبٍّ غَافِلٍ عَمَّا نَعْمَلُ، بَلْ نُؤْمِنُ بِعَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الَّذِي يُحِيطُ أَعْمَالَنَا كُلَّهَا وَلَوْ كُنَّا فِي مَدْخَنَةٍ سَوْدَاءَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَة. وَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ بِرَبٍّ أَصَمَّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ زَلَلَ أَلْسِنَتِنَا وَكَذِبَنَا وَغِيبَتَنَا وَثَرْثَرَتَنَا، بَلْ نُؤْمِنُ بِرَبٍّ سَمِيعٍ يَسْمَعُ كَلَامَنَا وَلَوْ هَمَسْنَا فِي أُذُنِ بَعْضِنَا بَعْضًا جَاعِلِينَ أَيْدِيَنَا عَلٰى أَفْوَاهِنَا غِطَاءً.
وَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ بِرَبٍّ جَاهِلٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ صِدْقِ إِيمَانِنَا وَكِذْبِهِ، وَلَا عِلْمَ لَهُ بِطَرِيقَةِ حَيَاتِنَا هَلْ هِيَ مُنَاسِبَةٌ لِشَرِيعَتِهِ أَمْ لَا؟
بَلْ نُؤْمِنُ بِرَبٍّ عَلِيمٍ خَبِيرٍ يَعْلَمُ أَخْفٰى سِرِّنَا كَمَا يَعْلَمُ الحَاشِيَةَ السِّينَمَائِيَّةَ لِشَاشَةِ قُلُوبِنَا المُطْفَأَةِ لِلْكُلِّ.
وَنُؤْمِنُ بِرَبٍّ غَفُورٍ يَقُولُ: ﴿اِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[3] وَهُوَ يَقْبَلُ المَعَاذِرَ، وَيَغْفِرُ الصَّغَائِرَ وَالكَبَائِرَ، وَهُوَ يُسَامِحُ وَلَا يَخْذُلُ، وَإِنَّهُ ذُو مَرْحَمَةٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَإِنَّهُ صَاحِبُ العَدَالَةِ المُطْلَقَةِ، يَنْتَظِرُ صَبُورًا يَوْمَ يَرْجِعُ عِبَادُهُ الأُبَّاق.
وَإِنَّا نُؤْمِنُ بِاللّٰهِ القَادِرِ المُقْتَدِرِ الَّذِي إِذْ قِيلَ “يَا إِبْرَاهِيمُ، لَكَ الخِيَارُ. إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا نُمْرُودُ!” وَهُوَ يَرُدُّ “أَدْخُلُ النَّارَ وَلَا أَقْبَلُ نِظَامَ نُمْرُودَ أَبَدًا!” فَأُلْقِيَ فِي قَبَسِ النَّارِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةَ عَشَرَ سَنَّةً، أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَا نَارُ كُونٖي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلٰى اِبْرٰهٖيمَ﴾[4] فَجَعَلَ النَّارَ بُحَيْرَةً بَارِدَة.
وَإِنَّا نُؤْمِنُ بِاللّٰهِ الحَكَمِ الحَكِيمِ الَّذِي أَنْقَذَ يُوسُفَ مِنْ أَظْلَمِ السُّجُونِ فَجَعَلَهُ سُلْطَانَ مِصْرَ بَعْدَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ الفَحْشَاءُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿رَبِّ السِّجْنُ اَحَبُّ اِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنٖي اِلَيْهِ﴾ [5]
يَا جَمَاعَةَ الخَيْر،
لِنَأْكُلْ مِنْ خَيْرِ طَعَامِ الدُّنْيَا وَلْنَشْرَبْ مِنْ خَيْرِ شَرَابِهَا، فَلْنَرْكَبْ خَيْرَ رَكُوبٍ وَلْنَحْضُرْ خَيْرَ الأَمَاكِن. فَلَا شَكَّ أَنَّ الاِسْتِفَادَةَ مِنْ آلاءِ اللّٰهِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ عُبُودِيَّتِنَا لَه. وَلٰكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ نُهْمِلَ أَنْ نَدْفَعَ تَسْلِيفَ قُصُورِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ الَّتِي نَرْجُو أَنْ نَكُونَ فِيهَا مِنَ الخَالِدِينَ، بِالعِبَادَاتِ وَطُرُودِ الصَّالِحَات. إِنَّ الإِلــهَ الَّذِي نُؤْمِنُ بِهِ أَعْتَدَ هُنَاكَ قُصُورًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا.
وَكَفَى بِأَنْ نُرَاعِيَ سَبِيلَ الحَقِّ وَلَا نَضِلُّ حَتَّى نَصِلَ إِلى هٰذِهِ القُصُورِ الَّتِي نَحْنُ وَارِثُوهَا بِإِذْنِ اللّٰهِ تَعَالٰى.
[1] سورة الإسراء:٨٤
[2] سورة فصلت:٣٠
[3] سورة الزمر:٥٣
[4] سورة الأنبياء:٦٩
[5] سورة يوسف:٣٣