خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٤\٥\٢٠٢١ – اَلْمُحَافَظَةُ عَلَى مَغَانِمِ شَهْرِ رَمَضَان
13.05.2021أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدِ اسْتَفَدْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَفَحَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاسْتَغْلَلْنَاهَا بِالْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ رَغْمَ الْعَوَائِقِ الَّتِي أَمْلَتْهَا عَلَيْنَا الْجَائِحَةُ الَّتِي نَمُرُّ بِهَا. فَجَاهَدْنَا أَنْفُسَنَا بِالصِّيَامِ، وَتَقَرَّبْنَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ، وَطَهَّرْنَا أَمْوَالَنَا بِالزَّكَاةِ، وَعَرَضْنَا أَحْوَالَنَا عَلَى مَوْلَانَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالدُّعَاءِ، وَتَلَوْنَا كَلَامَ ربِّنَا، وَحَاوَلْنَا إعَادَةَ تَنْظِيمِ حَيَاتِنَا. نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنْ وَفَّقَنَا إِلَى كُلِّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَة. وَالْآنَ بَقِيَ عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ الْمَكَاسِب، فَإِنَّنَا مُسْلِمُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَيَّامَ الدَّهْرِ كُلَّهَا وَلَسْنَا مُسْلِمِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَحَسْب.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجّ: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.[1] فَاللَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَعْبُدُوهُ وَيَفْعَلُوا الْخَيْرَ دَائِمًا دُونَ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِوَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَات. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِك: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُون، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلّ».[2]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا نَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى اَلَّذِي سَيَجْزِي عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنُخْلِصُ لَهُ فِي الْعِبَادَة. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِه﴾.[3] فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعِدُ عِبَادَهُ بِأَنَّهُ لَنْ يَكْتَفِيَ بِمُجَازَاةِ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ مُقَابِلَ أَعْمَالِهِمْ فَحَسْب، وَأَنَّهُ سَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِه. لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ فِي تَتِمَّةِ هَذِهِ الْآيَة:
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.[4] فَلْنَجْتَهِدْ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَنْ نُؤَدِّيَ وَاجِبَ الْعُبُودِيَّةِ تِجَاهَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلّ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ وَدَّعْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرَ الْقُرْآن، لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَلَّا نُوَدِّعَ مَا اكْتَسَبْنَاهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَمَا ابْتَدَأْنَا فِيهِ مِنَ الْعِبَادَات. عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَات. عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ حُرُمَاتِ اللَّهِ كَمَا اتَّقَيْنَاهَا فِي رَمَضَانَ بِالصِّيَامِ، وَأَنْ نَكُونَ حَذِرِينَ أَمَامَ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ لِئَلَّا يُوقِعَ بِنَا فِي الْحَرَام. عَلَيْنَا أَلَّا نَعُودَ إلَى الْأُمُورِ الَّتِي حَرَّمَهَا الْإِسْلَامُ مِثْلَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْ عُيُوبِ النَّاس. عَلَيْنَا أَلَّا نُدَنِّسَ مَا طَهَّرْنَاهُ مِنْ أَنْفُسِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَان. وَلْنَعْلَمْ أَنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلْنَحْرِصْ عَلَى مُلَازَمَةِ الْجَمَاعَةِ وَحُضُورِ الْمَسَاجِدِ كَمَا اعْتَدْنَاهَا فِي رَمَضَان. عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى أَوْرَادِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَمَضَانَ أَيْضًا وَلَوْ خَمْسَ صَفَحَاتٍ فِي الْيَوْم، فَذَلِكَ وَاجِبُنَا نَحْوَ الْقُرْآنِ دَائِمًا، أَنْ نَقْرَأَهُ وَنَفْهَمَه. وَلْنَحْرِصْ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَيَاتُنَا بَعْدَ رَمَضَانَ مِثْلَ حَيَاتِنَا فِي رَمَضَان، وَلْنُدَاوِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ وَلَوْ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَلْنُحَاوِلْ عَلَى الْأَخَصِّ أَنْ نَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَات. وَلْتَكُنْ أَوَّلُ خَطَوَةٍ نَخْطُوهَا فِي هَذَا السَّبِيلِ هِيَ أَنْ نَصُومَ سِتًّا مِنْ شَوَّال. فَقَدْ حَثَّنَا عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذْ قَال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالَ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر».[5]
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِأَدَاءِ وَاجِبِ الْعُبُودِيَّةِ تِجَاهَهُ سُبْحَانَه، إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه، آمِين.
[1] سورة الحج:٧٧
[2] صحيح البخاري، كتاب اللباس، حديث رقم (٥٨٦١)
[3] سورة النساء:١٧٣
[4] سورة النساء:١٧٣
[5] صحيح مسلم، حديث رقم (١١٦٤)
رِسَالَةٌ بِخُصُوصِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
إِنَّ الْاِعْتِدَاءَاتِ وَالْمُجَاوَزَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَى الْمُتَعَبِّدِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى اَلْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لَدَى الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ جَمِيعِهَا وَالَّذِي هُوَ الْقِبْلَةُ الْأُولَى لِلْمُسْلِمِينَ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهَا بِحَال. إِنَّنَا نَدِينُ وَنَلْعَنُ هَذَا الْمَوْقِفَ الْمُعَادِي ضِدَّ الْمَعْبَدِ وَضِدَّ أُنَاسٍ لَا غَرَضَ لَهُمْ سِوَى التَّعَبُّدُ لِلَّه. وَنُطَالِبُ بِإِيقَافِ الظُّلْمِ عَنِ النَّاسِ الَّذِينَ اغْتُصِبَتْ دُورُهُمْ وَبُيُوتُهُمْ بِطُرُقٍ غَيْرِ شَرْعِيَّة، وَبِإِعَادَةِ حُقُوقِهِمْ إلَيْهِم. وَقَدْ تَضَاعَفَ الْحُزْنُ وَالْأَسَى بِخَبَرِ قَصْفِ مَدْرَسَةِ بَنَاتٍ فِي كَابُلْ عَاصِمَةِ أَفْغَانِسْتَانَ عَشِيَّةَ الْعِيد. إِنَّنَا نَلْعَنُ الْفَاعِلِينَ لِهَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ الْإِرْهَابِيَّةِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى اَلرَّحْمَةَ لِلشُّهَدَاءِ وَالشِّفَاءِ الْعَاجِلِ لِلْمُصَابِين، وَنَدْعُو الْمُجْتَمَعَاتِ الدَّوْلِيَّةِ إلَى اتِّخَاذِ دَوْرٍ فَعَّالٍ لِإِيْقَافِ الْعُنْفِ فِي هَذِهِ الْمَنَاطِق.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعِيدَ وَسِيلَةً لِانْتِهَاءِ أَسَى جَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ وَالْمُضْطَهَدِينَ وَاللَّاجِئِينَ وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ جَمِيعِ إِخْوَانِنَا الضِّيقَ وَالشِّدَّة. وَنُهَنِّئُ الْأُمَّةَ الْإِسْلاَمِيَّةَ جَمْعَاءَ بِهَذَا الْعِيد، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا جَمِيعًا صَالِحَ الْأَعْمَال.
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٤\٥\٢٠٢١ – اَلْمُحَافَظَةُ عَلَى مَغَانِمِ شَهْرِ رَمَضَان