خطبة
خطبة الجمعة ٥\٢\٢٠٢١ – كفى بالموت نذيرا
04.02.2021،يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَام
رَبُّنَا وَخَالِقُنَا خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ وَأَحْيَانَا، وَهَذَا حَقٌّ وَمِثْلُهُ الْمَوْتُ كَذَلِكَ حَقٌّ. كُلُّ نَفْسٍ أَتَتْ إِلَى الْأرْضِ وَقَضَتْ عُمُرَهَا سَوْفَ تَنْتَقِلُ إِلَى الْآخِرَةِ. لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ وَلَا لِأَيِّ حَيْوَانٍ أَنْ يَفِرَّ مِنَ الْمَوْتِ. فَاللهُ الَّذِي أَحْيَا كُلَّ حَيٍّ، قَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿قُلْ اِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَاِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ اِلٰى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[1]
يَا جَمَاعَتِي الْعَزِيزَة
اَلْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ فِي عَصْرِنَا يَهْتَمُّ بِالدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ دَارُ امْتِحَانٍ وَيَعِيشُ كَأَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ. وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنَّهُ سَيَتْرُكُ هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ أَحْبَابِهِ. نَرَى أَنَّ عَصْرَنَا ابْتُلِيَ بِمَرَضِ الِارْتِبَاطِ بِالدُّنْيَا، بِحَيْثُ يُرَى أَنَّ الْحَيَاةَ عِبَارَةٌ عَنِ الدُّنْيَا فَقَطْ. وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»[2] وَبِذَلِكَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ سَتَنْتَهِي وَأَنَّ الْآخِرَةَ بَاقِيَةٌ أبَدِيَّةٌ. وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَمْتَلِكُ وَعْيًا قَوِيًّا، يَعْلَمُ أَنَّ الْحَيَاةَ عِبَارَةٌ عَنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعًا.
يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأفَاضِل،
اللهُ أقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، فَهُوَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[3] وَبِذَلِكَ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نُفَكِّرَ هَكَذَا وَأَنْ نَسِيرَ فِي حَيَاتِنَا عَلَى هَذَا الدُّسْتُورِ. بَيْنَمَا نُؤَدِّي وَاجِبَاتِنَا الْفَرْدِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ، يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ حَيَاةَ الْآخِرَةِ الَّتِي نُحَاسَبُ فِيهَا لَيْسَتْ بَعِيدَةً عَنَّا. فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ إِمَامَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ﷺ قَالَ: «الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ»[4] فَبِالتَّالِي عَلَيْنَا أَنْ نَزِيدَ دَائِمًا مِنْ أَعْمَالِنَا الَّتِي فِيهَا الْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ. وَعَلَيْنَا أَلَّا نَظْلِمَ أحَدًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَأَنْ نَجْتَهِدَ كَثِيرًا حَتَّى لَا نَأْتِىَ أَمَامَ اللهِ وَعَلَيْنَا حُقُوقٌ لِلْآخَرِينَ. بَلْ وَعَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ حَقَّ الْيَقِينِ أَنَّ جَزَاءَ الْإحْسَانِ هُوَ الْإحْسَانُ.
،يَا إِخْوَتِي الْأَعِزَّاء
دِينُنَا الْإِسْلَامُ، قَدْ حَمَلَ عَلَى الْمَوْتِ مَعْنًى كَمَا حَمَلَ مَعْنًى عَلَى الْحَيَاةِ. فَلَيْسَ الْمَوْتُ فَنَاءً وَعَدَمًا. فَالْوَعْيُ وَالْفَهْمُ الَّذِي يُسْكِنُ النَّفْسَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ. وَقَدْ تَمَّ تَصْوِيرُ الْمَوْتِ فِي دِينِنَا كَوَاسِطَةٍ يَصِلُ بِهَا الْعَبْدُ إِلَى اللهِ مِثْلَ النَّهْرِ يَصِلُ لِلْبَحْرِ. فَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْلَةُ الْفَرْحَةِ الَّتِي يَصِلُ فِيهِ الْمُتَحَابَّانِ إِلَى بَعْضِهِمَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْأبْيَاتِ الْجَمِيلَةَ:
الْمَوْتُ جَمِيلٌ، هَذَا هُوَ الْخَبَرُ مِنْ وَرَاءِ السِّتَار،
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ، أَكَانَ قَدْ مَاتَ النَّبِيُّ الْمُخْتَار؟
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ ويَسْتَقِيمُونَ وَيُفْلِحُونَ، آمِينَ
[1] سورة الجمعة:٨
[2] جامع الترمذي، كتاب الزهد، ٤٤، الحديث: ٢٣٧٧
[3] سورة الأنعام: ١٦٢
[4] صحيح البخاري، كتاب الرقاق، ٢٩