خطبة

قِيمَةُ الزَّمَنِ فِي حَيَاةِ المُسْلِمِ

23.05.2024
Koran Tasbih Grün

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ 

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَۙ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَؕ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِاَمْرِهٖؕ اِنَّ فٖي ذٰلِكَ لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَۙ ﴿١٢﴾

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ النَّبِىُّ ﷺَ:

«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ »

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المَالِكُ الحَقُّ ليَوْمِ الدِّينِ رَزَقَنَا هَذِهِ الدُّنْيَا. وَفِي القُرْآنِ الكَرِيمِ يُنَبِّهُ عَلَى كَيْفِيَّةِ جَرَيَانِ الزَّمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَۙ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَؕ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِاَمْرِهٖؕ اِنَّ فٖي ذٰلِكَ لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَۙ ﴿١٢﴾ إنَّ أُمُورَنَا تَتَحَقَّقُ بِمُرُورِ الزَّمَنِ، وَيَنْقُصُ عُمْرُنَا وتَقْتَرِبُ سَاعَةُ الْأَجَلِ. فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ قِيمَةَ الوَقْتِ جَيِّدًا، وَنَسْتَغِلَّ هَذِهِ الْفُرْصَةَ جَيِّدًا فِي حَيَاتِنَا. إِنَّ الوَقْتَ مِنْ أَكْبَرِ نِعَمٍ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ. إنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمُرُورِ الوَقْتِ قَدْ يَكْسِبُ قِيمَةً وَبَعْد وَقْتٍ قَدْ يَفْقِدُ هَذِهِ القِيْمَةَ. الإِنْسَانُ إذَا عَاشَ حَيَاتَهُ وَفْقًا لِمَا أَوْصَانَا اللَّهُ بِهِ فِي القُرْانِ وَالسُّنَّةِ سَيَصِلُ إلَى مَرْتَبَةِ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَأَمَّا إذَا أَهْدَرَ حَيَاتَهُ وَعُمْرَهُ بِتَصَرُّفَاتٍ لَا تُوَافِقُ سَبَبَ خَلْقِهِ قَدْ يَنْزِلُ إلَى دَرَجَةِ أَسْفَلِ السَّافِلِينَ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

يُلَاحَظُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ سُوَرِ القُرْآنِ تَبْدَأُ بِالقَسَمِ عَلَى أَشْيَاءَ يُقَدِّرُهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا سُورَةُ العَصْرِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْقَسَمِ بِالْعَصْرِ وَهُوَ الْوَقْتُ. ﴿وَالْعَصْرِۙ ﴿١﴾ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَفٖي خُسْرٍۙ ﴿٢﴾ اِلَّا الَّذٖينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾

إِنَّ كَلِمَةَ العَصْرِ تَعْنِي الوَقْتَ الْمُطْلَقَ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ. وَقَسَمَ بِالزَّمَانِ فِي بِدَايَةِ السُّورَةِ عَلَى لَفْتِ الِانْتِبَاهِ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ وَمَكَانَتِهِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ. وَحَكَى العَالِمُ الجَلِيلُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ العَصْرِ يَقُولُ:” وعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: تَعَلَّمْتُ مَعْنى السُّورَةِ مِن بائِعِ الثَّلْجِ كانَ يَصِيحُ ويَقُولُ: ارْحَمُوا مَن يَذُوبُ رَأْسُ مالِهِ، ارْحَمُوا مَن يَذُوبُ رَأْسُ مالِهِ فَقُلْتُ: هَذا مَعْنى: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ يَمُرُّ بِهِ العَصْرُ فَيَمْضِي عُمُرُهُ ولا يَكْتَسِبُ فَإذًا هو خاسِرٌ.” فَلِذَلِكَ هَذِهِ السُّورَةُ حَيْثُ بَدَأَتْ بِالقَسَمِ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الإِنْسَانَ إذَا لَمْ يَقُمْ بِالأَعْمَالِ الأَرْبَعَةِ المَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ يَضِيعُ عُمْرُهُ وَيَخِيبُ مَهْمَا كَانَ مَشْغُولًا بِالدُّنْيَا. أَمَّا الَّذِينَ يَقُومُونَ بِهَذِهِ الأَعْمَالِ الأَرْبَعَةِ، وَيُرَتِّبُونَ حَيَاتَهُمْ وَفْقًا لِذَلِكَ هُمْ فَقَطْ الفَائِزُونَ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

وَلَا نَنْسَ أنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الَّتِي رَزَقَنَا اللَّهُ بِهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَوَقْتَنَا بِهَا مُحَدَّدٌ. فَلْنُقَدِّرْ وَقْتَنَا، وَلا نَقْضِ أَوْقَاتَنَا عَلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تُفِيدُنَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ. يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» إنَّ الْمُؤْمِنَ الوَاعِيَ لَا يُهْدِرُ حَيَاتَهُ وَعُمْرَهُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مَا يَمْتَلِكُهُ فِي الحَيَاةِ فِي أَشْيَاءَ لا تُفِيدُ. وَفِي هَذَا الصَّدَدِ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَاِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراًۙ ﴿٥﴾ اِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراًؕ ﴿٦﴾ فَاِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْۙ ﴿٧﴾ وَاِلٰى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴿٨﴾﴾.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ قِيمَةَ الْوَقْتِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»

فَلْنُحَاوِلْ أنْ نَقْضِيَ مَا تَبَقَّى مِنْ هَذَا العُمْرِ، وَكَّلَ نَفَسٍ أَعْطَانَا اللَّهُ إِيَّاها فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِيمَا يُحِبُّ يَرْضَى، وَلْنَبْتَعِدْ عَنْ هَدْرِ الوَقْتِ خَاصَّةً فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ، وَالأُمُورِ الَّتِي لَا تَنْفَعُنَا.

 نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا فِي قَضَاءِ أَوْقَاتِنَا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. 

خُطْبَة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com