خطبة
1445 رأس السنة الهجرية
14.07.2023أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ . . .
يُصَادِفُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الْمُقْبِلِ ، 19 يُولْيُو ، ذِكْرَى الْهِجْرَةِ الَّتِي تُعَدُّ إِحْدَى نُقَاطِ التَّحَوُّلِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ ، أَيْ رَأْسُ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ .هَذِهِ الْهِجْرَةُ تُشِيرُ إِلَى هِجْرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُسْلِمِي مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ . يُطْلَقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ اِسْمَ ” الْمُهَاجِرِ ” . إِنَّ جُهُودَ المُشْركِين فِي مَكَّةَ بِمَنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَعْوَتِهِ الْإِنْسَانِيَّةَ لِلتَّوْحِيدِ ، و اِضْطِهَادُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ، دَفَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْهِجْرَةِ . حَصَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ الَّذِينَ اعْتَنَقُوا الإِسْلَامَ و الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِفةِ “الْأَنْصَارِ” ، وَهِي مِنْ أَعْظَمِ الأَوْسِمَةِ فِي تَارِيخِ الإِسْلَامِ. وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الَّذِي أُرْسِلَ دَلِيلًا لِلْبَشَرِيَّةِ قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى مُشَدِّدًا عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْهِجْرَةِ . “وَالَّذٖينَ اٰمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فٖي سَبٖيلِ اللّٰهِ وَالَّذٖينَ اٰوَوْا وَنَصَرُٓوا اُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقاًّؕ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرٖيمٌ.” .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ
لَقَدْ نَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَجْرًا عَظِيمًا عَلَى هِجْرَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ عَيْشِ دِينِ اللَّهِ وَنَشْرِهِ. اِنْتَشَرَتْ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ بِحُرِّيَّةٍ فِي الْمَدِينَةِ ، وَنَجَحَ جِهَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي سِيَادَةِ الْخَيْرِ والْحَقِيقَةِ والْجَمَالِ . هَذَا الْوَضْعُ بِالتَّأْكِيدِ مِثَالٌ جَيِّدٌ لِلْأَجْيَالِ وَ الْعُصُورِ الْقَادِمَةِ . اَلْيَوْمَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ ، سَيُوَاجِهُ الإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ دَائِمًا صُعُوبَاتٍ وَمِحَنَ وَهُمْ يَسْعَوْنَ جَاهِدِينَ لِإقَامَةِ الْحَقِّ وَالْعَدَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ . “اَلَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ف۪ي سَب۪يلِ اللّٰهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَاَنْفُسِهِمْۙ اَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّٰهِۜ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْفَٓائِزُونَ” . وَبَشَّرَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَجْرٍ عظيمٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ
تُسْتَخْدَمُ كَلمَةُ الْهِجْرَةِ لِتَعْنِي ” مُغَادرَةُ مَكَانٍ وَالْهِجْرَةُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ ” . وَمَعَ ذَلِكَ ، فَهِيَ تَعنِي أَيْضًا ” هِجْرَةُ الشَّخْصِ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ سَيِّئٍ فِي اللِّسَانِ أَوِ الْقَلْبِ ” . عِنْدمَا نَتَنَاوَلُ الْهَجْرَةَ حَسَبَ الْمَعْنَى الثَّانِي ، فَإِنَّ الْهِجْرَةَ هِيَ الاِنْتِقَالُ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ . اَلْهِجْرةُ تَوبَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ إِليْهَا مَرَّةً أُخْرَى. اَلْهِجْرةُ هِيَ أَنْ تَعِيشَ حَيَاةً تَتَمَاشَى مَعَ أَمْرِ اللَّهِ . اَلْمُهَاجِرُ هُوَ مَنْ يَجتَنِبُ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ . لِذَلِكَ ، يَجِبُ أَنْ نَتَطَهَّرَ مِنْ خَطَايَانَا قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ . قَالَ نَبِيُّنَا ذَاتَ يَوْمٍ : “بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ ، لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَزِيدٌ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ “. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْجِهَادَ ، بِمَعْنَى اِجْتِنَابِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَالْوَفَاءُ بِأَوَامِرِهِ ، سَتَسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ
بِمُنَاسَبَةِ رَأْسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ الْقَادِمَةِ ، فَلْنُحَاسِبْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْفُسَنَا و مَسَارَنَا . دَعُونَا نَكُنْ مُصَمِّمِينَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ أَنْفُسِنَا وَبِيئَتِنَا وَمُجْتَمَعِنَا . دَعُونَا نَجتَهِدْ فِي الْوَفَاءِ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي أَوْكَلَهَا اللَّهُ إِليْنَا . دَعُونَا نُحَاوِلْ أَنْ نَجَعَلَ الْجَمَالَ الَّذِي نَمْتَلِكُهُ أَخْلَاقِيًّا وَمَعْنَوِيًّا أَكْثَرَ نُضْجًا كُلَّ يَوْمٍ قَادِمٍ . أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُوَفَّقِينَ الَّذِينَ يُهَاجِرُونَ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ ، وَمِنَ الْقَبِيحِ إِلَى الْجَمِيلِ ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الصَّوَابِ . . .