خطبة
يْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاج
24.02.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
فِي الْعَامِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ بِعْثَةِ النَّبِيِّ ؐ وَقَعَتْ حَادِثَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاج. وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَة، اَلَّتِي حَدَثَتْ قُبَيْلَ هِجْرَتِهِ ؐ إِلَى الْمَدِينَة، وَقَال تَبَارَك وَتَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّـذٖٓي اَسْرٰى بِعَبْدِهٖ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اِلَى الْمَسْجِدِ الْاَقْصَا الَّذٖي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ اٰيَاتِنَاؕ اِنَّهُ هُوَ السَّمٖيعُ الْبَصٖيرُ﴾.[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَقَد حَاوَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ أَنْ يَصُدُّوا رِسَالَةَ الْإِسْلَامِ بكُلِّ الوَسَائِلِ. وَقَامُوا فِي سَبِيلِ ذَلِكَ بِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْذِيبِهِمْ أَشَدَّ أَنْوَاعِ الْعَذَاب، حَتَّى حَاصَرُوا النَّبِيَّ ؐ وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ اِقْتِصَادِيَّا وَاجْتِمَاعِيَّا. وَتَزَامَنَ مَعَ هَذَا الْوَضْعِ الشَّدِيدِ، أَنْ تُوُفِّيَ سَنَدَا رَسُولِ اللَّهِ ؐ فِي مَكَّة، وَهُمَا عَمُّهُ أَبُو طَالِب، اَلَّذِي كَانَ يَحْمِيهِ مِنْ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ ؐ فِي هَذِهِ الْمِحْنَة، وَزَوْجَتُهُ ؐ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، اَلَّتِي كَانَتْ سَنَدَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ مُنْذُ أَوَّلِ بِعْثَتِه. وَحِينَمَا وَجَدَ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ ؐ عَرِيًّا عَمَّنَ يَحْمِيهِ مِنْهُمْ، اِسْتَغَلُّوا الْفُرْصَةَ وَضَاعَفُوا ظُلْمَهُمْ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِين. فَأَخَذَ النَّبِيُّ ؐ يَبْحَثُ عَنْ مَخْرَجٍ مِنْ هَذَا الْمَأْزِق. فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ بِهَدَفِ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِسْلَام. وَلَكِنْ مَا لَقِيَهُ ؐ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لَمْ يَكُنْ بِأَهْوَنَ مِمَّا تَرَكَهُ خَلْفَهُ فِي مَكَّة. إِذْ كَذَّبَهُ أَهْلُ الطّائِفِ وَرَجَمُوهُ حَتَّى أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ الشَّرِيفَيْن. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ؐ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى مَنْ يُسَلِّيهِ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ وَطْأَةَ مَا هُوَ فِيه، أَكْرَمَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمُعْجِزَةِ الْإِسْراءِ وَالْمِعْرَاج.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ عَادَ النَّبِيُّ ؐ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَزَلَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ بِعِدَّةِ هَدَايَا لِلْمُسْلِمِين. يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاَثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَة، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَات».[2]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
فَالصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ شِعَارِ الْمُسْلِم، وَالَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاة»،[3] هِيَ إِحْدَى الْهَدَايَا اَلَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاج. فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ فُرْصَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَه. هِي فُرْصَةٌ لِتَقْوِيَةِ عَلَاقَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ. اَلصَّلَاةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِن، تَرَفَعُ خُلُقَهُ وَتُنَمِّي فِيهِ الرَّحْمَةَ وَالْعَدَالَة، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.[4] فَالَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حُسْنِ إِقَامَتِهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِين.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا كَمُنَظَّمَةِ مِلِّي كُورُوش نُنَظِّمُ كُلَّ سَنَةٍ بَرْنامَجًا بِشِعَار “اَلسَّابِقُونَ الْأَوَّلُون”، لِذِكْرَى الشَّخْصِيَّاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ السَّابِقِين، اَلَّذِينَ خَدَمُوا الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الْعَالَم، وَلِنَتَرَحَّمَ عَلَى الْأَشْخَاصِ الْمُتَوَفَّيْن، اَلَّذِينَ تَوَلَّوْا خِدْمَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمُنَظَّمَةِ مِنْ أَئِمَّةٍ وَإِدَارِيِّين. فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ وَاجِبَاتِنَا أَنْ نَذْكُرَ مَنْ سَبَقُونَا بِالرَّحْمَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهُمْ أُسْوَةً وَنَمَاذِجَ لِلْأَجْيَالِ النَّاشِئَة. وَسَيَتِمُّ بَثُّ هَذَا البَرْنَامِجِ أَيْضًا عَلَى الْإِنْتَرْنَتْ مُبَاشَرَةً. فَنُوصِيكُمْ جَمِيعًا بِمُتَابَعَتِهَا وَالْاِسْتِفَادَةِ مِنْهَا.
وَبِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْحَمَ جَمِيعَ مَوْتَانَا، وَيَتَغَمَّدَهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِه. وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ سَبَبًا لِارْتِقَائِنَا فِي الدَّرَجَاتِ عِنْدَه، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين
[1] سورة الإسراء: 1
[2] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، (279)
[3] سنن النسائي، كتاب عشرة النسائي، (1)
[4] سورة العنكبوت: 45