خطبة
هَلْ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِشَهْرِ رَمَضَان؟
01.04.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَ الْعَالَمِ يَتَطَلَّعُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِلَى اسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك. فَلَمْ يَبْقَ لِحُلُولِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ سِوَى سَاعَاتٍ مَعْدُودَة. وَبِهَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَك، يَمْنَحُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فُرْصَةً عَزِيزَةً لِنُحَاسِبَ فِيهِ أَنْفُسَنَا، وَلِنُصْلِحَ أَنْفُسَنَا، حَتَّى نَكُونَ أَهْلًا لِرَحْمَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ عَنْ سَائِرِ الشُّهُورِ الْأُخْرَى، أَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآن. قَالَ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذٖٓي اُنْزِلَ فٖيهِ الْقُرْاٰنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدٰى وَالْفُرْقَانِۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَعَلَّ مِنْ أَبْرَزِ خَصَائِصِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ هَذَا الشَّهْرَ بِفَرِيضَةِ الصِّيَام. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَه، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِين».[2]
وَلَقَدْ ثَبَتَ عِلْمِيًّا أَنَّ لِلصَّوْمِ فَوَائِدَ صِحِّيَّةً لِبَدَنِ الْإِنْسَانِ مَتَى صَامَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيح. فَقَدْ أَفَادَ رِجَالُ الْعِلْمِ مِنَ الْأَدْيَانِ وَالثَّقَافَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّ بَقَاءَ الْإِنْسَانِ جَائِعًا لِفَتَرَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، لَهُ فَوَائِدُ صِحِّيَّةٌ عَلَى بَدَنِه. وَمَعَ كُلِّ الْفَوَائِدِ الصِّحِّيَّةِ لِلصَّوْمِ، فَإِنَّ الْفَائِدَةَ الْكُبْرَى وَالْمَقْصِدَ الْأَعْلَى مِنْ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ، تَتَمَثَّلُ فِي الْجَانِبِ الْمَعْنَوِيِّ وَالْحَالَةِ الرُّوحِيَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ اهْتِمَامَ الْإِنْسَانِ بِقَلْبِهِ وَرُوحِهِ يَنْبَغِي أَلَّا يَقِلَّ عَنِ الْاِهْتِمَامِ الَّذِي يُعِيرُهُ لِبَدَنِه. وَتَقْوِيَةُ الْجَانِبِ الْمَعْنَوِيِّ لَدَى الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَصْفِيَةِ الْقَلْبِ مِنَ الْأَغْيَار. وَبِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ الْغَرَضُ الْأَشْرَفُ مِنْ وُجُودِ الْإِنْسَان. فَإِنَّ الْوُصُولَ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَجَاوُزِ عَالَمِ الْمَادَّةِ هَذِهِ وَانْقِطَاعِ الْقَلْبِ عَنْهُ تَمَامًا. وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمَ، لِيُسَهِّلَ عَلَيْنَا تَرْبِيَةَ أَنْفُسِنَا. فَفَرِيضَةُ الصِّيَامِ إِذْنَ مِنْحَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَكْرِيمٌ مِنْهُ لِعِبَادِه. وَقَدْ بَشَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ بِالْجَزَاءِ الْعَظِيمِ عَلَى صَوْمِ هَذَا الشَّهْرِ حِينَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».[3]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ النَّظْرَةَ الضَّيِّقَةَ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى أَنَّهُ أَيَّامُ جُوعٍ وَعَطَشٍ، يُعِيقُنَا عَنْ إِدْرَاكِ أَهَمِّيَّةِ الصَّوْمِ وَيُفَوِّتُ عَلَيْنَا هَذِهِ الْفَائِدَةَ الْعَزِيزَة. فِي حِينِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَّا فِي هَذَا الشَّهْرِ أَنْ نَرْفَعَ مِنْ مَعْنَوِيَّاتِنَا، وَأَنْ يَنْعَكِسَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَى تَصَرُّفَاتِنَا وَأَعْمَالِنَا اليَوْمِيَّة. وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ ؐ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَقَطْ وَقَالَ: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَش».[4] وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَر: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه».[5] فَعَلَيْنَا –إِنْ صَحَّ التَّعْبِير- أَنْ نَصُومَ بِجَمِيعِ أَعْضَائِنَا، فَنُحَافِظَ عَلَى أَلْسِنَتِنَا مِنْ أَنْ تَنْطِقَ بِسُوءٍ، وَنُحَافِظَ عَلَى عُيُونِنَا مِنْ أَنْ تَقَعَ عَلَى حَرَامٍ، وَنَلْتَزِمَ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَرْفِيًّا، وَنَجْتَهِدَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مُكْتَسَبَاتِ هَذَا الشَّهْرِ فِيمَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَيْضًا.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعِينَنَا عَلَى حُسْنِ اسْتِقْبَالِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة البقرة: 185
[2] سنن النسائي، كتاب الصيام، 5
[3] صحيح البخاري، كتاب الإيمان، 28، كتاب الصوم، 6
[4] سنن ابن ماجه، كتاب الصيام، 21
[5] صحيح البخاري، كتاب الصوم، 8، كتاب الأدب 51
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – هَلْ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِشَهْرِ رَمَضَان؟