خطبة
مَنْزِلُةُ اَلْحَجِّ وَأَهَمِّيَّتُهُ عِنْدَ اَلْمُؤْمِن
06.06.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ اَلْحَجُّ اَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌۚ فَمَنْ فَرَضَ فٖيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّؕ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّٰهُؕ وَتَزَوَّدُوا فَاِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوٰىؗ وَاتَّقُونِ يَٓا اُو۬لِي الْاَلْبَابِ ﴿١٩٧﴾ ﴾
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّى إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الحَجُّ لَيْسَ مُجَرَّدَ عِبَادَةٍ فَقَطْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ، بَلْ إنَّهُ رِحْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ. يَكُونُ أَدَاءُ عِبَادَةِ الحَجِّ فِي وَقْتٍ وَمَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَتِمُّ أَدَاؤُهَا فِي الأَيَّامِ الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فِي مَنَاطِقَ مَكَّةَ وَمِنَى وَعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى: ﴿اَلْحَجُّ اَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌۚ فَمَنْ فَرَضَ فٖيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّؕ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّٰهُؕ وَتَزَوَّدُوا فَاِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوٰىؗ وَاتَّقُونِ يَٓا اُو۬لِي الْاَلْبَابِ ﴿١٩٧﴾﴾
هَذِهِ الآيَةُ تُذَكِّرُنَا أَنَّ الحَجَّ لَيْسَتْ عِبَادَةً جَسَدِيَّةً فَقَطْ، بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ يَغْفِرُ اللَّهُ بِهَا ذُنُوبَنَا أَيْضًا. إنَّ الحَجَّ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَعِيشَ مَعَ النَّاسِ فِي سَلَامٍ، وَيُرِيدُنَا اللَّهُ أَنْ نَتْرُكَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الْحَلَالِ فِي الحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ. الحَجُّ هُوَ وَسِيلَةٌ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ، وَلِلحُصُولِ عَلَى رِضَاهُ، وَلِلتَطْهِير مِنْ ذُنُوبِنَا. مَكَانَةُ الحَجِّ فِي قُلُوبِنَا أَنَّه فُرْصَةٌ لِنُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا وَنَعُودَ وَنَتُوبَ إِلَى اللَّه.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّى إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» وَهَذَا يُشِيرُ لَنَا إِلَى أَهَمِّيَّةِ الحَجّ وَمَنْزِلَتِه. نَحْنُ لَا نَمْشِي بِمَفْرَدِنَا فِي الْحَجِّ، بَلْ نَقْتَرِبُ إلَى اللَّهِ مَعَ النَّاسِ مِنْ كُلِّ دُوَلِ العَالِم.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ الحَجَّ يَجْمَعُ الأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَ، وَالكِبَارَ وَالصِّغَارَ. إِنَّ الحَجَّ مُدَّةٌ زَمَنِيَّةٌ تَنْقُشُ فِي أَذْهَانِنَا وَأَرْوَاحِنَا أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَرْتَدُونَ نَفْسَ الْمَلَابِسِ، وَيَتَشَارَكُونُ نَفْسَ الْمَشَاعِرِ، وَأَيْضًا أَنَّ كُلَّهُمْ مُتَسَاوُونَ عِنْدَ اللَّهِ. وَهَذَا يُذَكِّرُنَا وَيُعَلِّمُنَا بِأَنَّ الِاخْتِلَافَاتِ الدُّنْيَوِيَّةَّ لَا أَهَمِّيَّةَ لَهَا، وَأَنَّنَا كُلَّنَا وَاحِدٌ أمَامَ اللَّهِ. وَلَا يُقَاسُ مَنْ أَفْضَلُ بَيْنَنَا إلَّا بِعَلَاقَتِنَا مَعَ اللَّهِ وَإِدْرَاكِنَا بِالْمَسْؤُولِيَّةِ. وَمِقْيُاسُ ذَلِكَ هُوَ التَّقْوَى وَمَنْ يَقِيسُ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
اللَّحَظَاتُ الَّتِي نَقِفُ بِهَا فِي العَرَفَاتِ لِلِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَفِي المُزْدَلِفَةِ لِلتَّفَكُّرِ، وَفِي مِنَى لِرَمْيِ الجَمَرَاتِ تُذَكِّرُنَا بِأَنَّ الحَيَاةَ فَانِيَةٌ، وَتُذَكِّرُنَا بِالتَّوْبَةِ وَأَهَمِّيَّةِ الصَّبْرِ وَالْمُثَابَرَةِ. وَفِي نَفْسِ الوَقْتِ الْحَجُّ يُعَلِّمُنَا رُوحَ المُجَاهَدَةِ، وَالْعَزْمَ، وَالْمُقَاوَمَةَ تُجَاهَ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ. الحَجُّ يُعَلِّمُنَا المَوْتَ قَبْلَ المَوْتِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الفَانِيَةِ، وَالتَّخَلُّصَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَيُعَلِّمُنَا كَيْفِيَّةَ السَّيْرِ فِي الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي أَرْشَدَنَا إلَيْه نَبِيُّنَا المُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
لَا نَنْسَ بِأَنَّ اَلْحَجَّ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ كَوْنِنَا نَحُجُّ فَقَطْ، بَلْ هُوَ فُرْصَةٌ مُهِمَّةٌ لِبَقَاءِ هَذَا الشُّعُورِ فِي حَيَاتِنَا. الخِصَالُ الجَمِيلَةُ اَلَّتِي نَكْتَسِبُهَا فِي الحَجِّ لِنُحَاوِلْ أَنْ نُطَبِّقَهَا فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ، وَلْنُحَاوِلْ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى نُفُوسِنَا اَلَّتِي زَكَّيْنَاهَا فِي الحَجِّ بَعْدَمَا نَعُودُ إِلَى بُيُوتِنَا وَمُجْتَمَعِنَا وَبِلَادِنَا، وَلْنُحَاوِلْ أَنْ نَبْقَى حُجَّاجًا طُولَ حَيَاتِنَا كَيْ نَسْتَفِيدَ نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ المُكْتَسَبَاتِ اَلَّتِي نَكْتَسِبُهَا فِي الحَجِّ. كَمَا قَالَ أَحَدُ اَلْمُتَفَكِّرِينَ: فِي الحَقِيقَةِ أَنَّ اَلصَّلَاةَ تَبْدَأُ بَعْدَ اَلْخُرُوجِ مِنْ المَسْجِدِ، وَالْحَجُّ يَبْدَأُ بَعْدَ العَوْدَةِ مِنْ الحَجِّ، والصَّوْمُ يَبْدَأُ بَعْدَ رَمَضَانَ.
اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُمْ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا.
اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا زِيَارَةَ بَيْتِكَ الحَرَامِ وَالسُّجُودَ فِيهِ، وَتَوَفَّنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا وَارْزُقْنَا حُسْنَ الخَاتِمَةِ، وَأَدْخِلْنَا جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ مَعَ اَلْأَبْرَارِ وَأَجِرْنَا مِنَ النَّارِ أَنَا وَكَّلَ مَنْ قَالَ أَمِينٌ. اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا زِيَارَةَ بَيْتِكَ اَلْحَرَامِ وَافْضِ عَلَيْنَا مِنْ رَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ وَجَوْدِكَ يَا اَللَّهُ. وَصَلَّ اللَّهُمَّ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
نَحْنُ كَمُسْلِمِينَ فِي أُورُبَّا لَدَيْنَا مَشَاكِلُ مُشْتَرَكَةٌ. وَمِنْ هَذِهِ المَشَاكِلِ اَلَّتِي تَتَبَادَرُ إِلَى اَلْأَذْهَانِ هِيَ مَنْعُ الحِجَابِ، وَالذَّبْحُ الحَلَالُ، وَزِيَادَةُ عَدَدِ المُتَدَيِّنِينَ، وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ. عَلَى هَذَا الاِعْتِبَارِ مِنَ المُهِمِّ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا المُشَارَكَةُ فِي انْتِخَابَاتِ البَرْلَمَانِ اَلْأُورُوبِّيِّ اَلَّتِي سَتُعْقَدُ فِي الدُّوَلِ الأَعْضَاءِ فِي الاتِّحَادِ الأُورُوبِّيِّ مِنَ اليَوْمِ السَّادِسِ إِلَى اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ شَهْرِ يُونْيُو. فَلْنَكُنْ نَحْنُ كَمُسْلِمِينَ مُؤَثِّرِينَ، وَلْنُدْلِ بِأَصْوَاتِنَا فِي تَشْكِيلِ هَيْئَاتِ صُنْعِ القَرَارِ.
لَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ مُؤْلِمَةٌ تُؤَثِّرُ عَلَى المُجْتَمَعِ فِي الأَيَّامِ السَّابِقَةِ لِلأَسَفِ فِي مُحَافَظَةِ (Mannheim) مانهايم بأَلْمَانْيَا. قَامَ شَخْصٌ بِالهُجُومِ عَلَى شَخْصٍ وَضَابِطِ شُرْطَةٍ كَانَ يَتَدَخَّلُ فِي حَادِثَةٍ وَسَطَ الشَّارِعِ بِالسِّكِّينِ. وَأُصِيبُ الشُّرطِيُّ بِجُرُوحٍ خَطِيرَةٍ، وَتَمَّ نَقْلُهُ إِلَى العِنَايَةِ المُرَكَّزَةِ فِي المُسْتَشْفَى، وَلِلْأَسَفِ تُوُفِّيَ لَاحِقًا. وَنُقَدِّمُ تَعَازِيَنَا لِعَائِلَتِهِ، وَكُلِّ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ.
وَبِمُنَاسَبَةِ هَذِهِ الحَادِثَةِ الألِيمَةِ نُذَكِّرُ وَنُعْلِنُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّنَا كَمُؤَسَّسَةِ المُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ مَلِّي كُورُوش نَدِينُ العُنْفَ بِكُلِّ أَشْكَالِهِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّنْ يَأْتِي بِهَا أَوِ الجِهَةِ المُوَجَّهُ إِلَيْهَا. نَحْنُ نَقِفُ ضِدَّ أَيِّ عَمَلٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَضُرَّ سَلَاَمَ المُجْتَمَعِ، وَنَعْمَلُ بِكُلُّ قُوَّتِنَا مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ سِلْمِي. وَهَذَا مَطْلَبٌ إِنْسَانِيٌّ وَإِسْلَامِيٌّ فِي حَيَاتِنَا.