خطبة
مَظَاهِرُ الْعُنْصُرِيَّةِ الْعُدْوَانِيَّة
17.02.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَائِبِ الَّتِي ابْتُلِيَتْ بِهِ الْبَشَرِيَّةُ؛ اَلْعُنْصُرِيَّة. أَنْ يَحْمِلَ الْإِنْسَانُ تِجَاهَ أَخِيهِ الْإِنْسَانِ عَدَاوَةً لَا مُبَرِّرَ لَهَا سِوَى أَنَّهُ مِنْ عِرْقٍ آخَر. وَلَيْسَ هَذَا مَوْقِفًا عَدَائِيَّا ضِدَّ الْإِنْسَانِ فَحَسْب، بَلْ هُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين، سَبَبُهُ عَدَمُ الرِّضَى بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْاِخْتِلَافِ الَّذِي خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا. يَقُولُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَٓا اَيُّهَا النَّاسُ اِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَاُنْثٰى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَـبَٓائِلَ لِتَعَارَفُواؕ اِنَّ اَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ اَتْقٰيكُمْؕ اِنَّ اللّٰهَ عَلٖيمٌ خَبٖيرٌ﴾.[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
اَلْإِنْسَانِيَّةُ لَيْسَتْ حَدِيثَةَ الْعَهْدِ بِهَذِهِ الْبَلِيَّة. فَقَدْ كَانَتِ الْعُنْصُرِيَّةُ مِنْ أَكْبَرِ مَصَائِبِ الْإِنْسَانِ مُنْذُ أَنْ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْض. وَلَقَدْ عَانَتِ الْبَشَرِيَّةُ وَذَاقَتِ الْوَيْلَاتِ مِنْ جَرَّاءِ الْحُرُوبِ الَّتِي قَامَتْ بِسَبَبِ هَذَا الْمَرَض. وَكَانَتِ الْعُنْصُرِيَّةُ هِيَ الْعَائِقُ الْكَبِيرُ أَمَامَ سِيَادَةِ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ وَالسَّلَام. وَإِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامَ حَسَّاسٌ جِدًّا تِجَاهَ هَذَا الْمَرَضِ الْعُضَال. فَكَمَا لَا يَسْمَحُ بِظُهُورِ الْعُنْصُرِيَّةِ فِي تَصَرُّفَاتِنَا، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يُحَرِّمُ وُجُودَهُ أَصْلًا فِي قَرَارَةِ قُلُوبِنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؐ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّة، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَصَبِيَّة، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّة».[2]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
اَلْمُسْلِمُ لَا يَسْمَحُ لِهَذَا الْمَرَضِ أَنْ يُسَيْطِرَ عَلَى قَلْبِهِ بِحَال. وَلَيْسَتِ الْفُرُوقُ وَالْاِخْتِلَافَاتُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا فِي نَظَرِ الْمُسْلِمِ إِلَّا مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ غِنَى الْمُجْتَمَع. فَإِنَّ حُبَّ الْمُسْلِمِ لِلْخَلْقِ نَاشِئٌ عَنْ حُبِّهِ لِلْخَالِق. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَيْثُمَا كَانَ، هُوَ أَجْدَرُ النَّاسِ بِمُكَافَحَةِ الْعُنْصُرِيَّة. فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْعُنْصُرِيَّةِ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَا حَارَبَهُ دِينُهُ الْإِسْلَام.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَا زَالَتِ الْعُنْصُرِيَّةُ فِي عَصْرِنَا هَذَا مِنْ أَعْمَقِ الْأَمْرَاضِ الْاِجْتِمَاعِيَّة. وَرَغْمَ تَطَوُّرِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَاحِبْ هَذَا التَّطَوُّرَ تَطَوُّرٌ مُمَاثِلٌ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعُنْصُرِيَّة. وَمِنْ أَكْبَرِ مَظَاهِرِ هَذَا الْوَاقِع، مَا شَهِدْنَاهُ قَبْلَ سَنَتَيْنِ، مِنِ اسْتِهْدَافِ تِسْعَةِ أَشْخَاصٍ أَجْنَبِيِّينَ وَقَتْلِهِمْ عُدْوَانًا فِي مَدِينَةِ هَانَاوْ اَلْأَلْمَانِيَّة. وَهُوَ مِمَّا يُحَتِّمُ مُضِيَّ الْمُؤَسَّسَاتِ الْحُكُومِيَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِجِدِّيَّةٍ فِي مُكَافَحَةِ الْعُنْصُرِيَّة. وَيَنْبَغِي أَلَّا نَنْسَى وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ؐ لِلْمُسْلِمِينَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاع، حِينَ قَالَ ؐ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ ربَّكُمْ وَاحِد، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبَيّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَد، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا وَيَحْفَظَ جَمِيعَ عِبَادِهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الدَّاء. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين
[1] سورة الحجرات: 13
[2] سنن أبي داود، كتاب الأدب، (111-112)
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – مَظَاهِرُ الْعُنْصُرِيَّةِ الْعُدْوَانِيَّة