خطبة
مَرْيَم اَلْبَتُول عليها السلام
22.12.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ السَّيِّدَةَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَام، لَهَا مَكَانَةٌ خَاصَّةٌ فِي الْإِسْلَام. فَقَدْ مَدَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَزَكَّاهَا، وَجَعَلَهَا قُدْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ، رَغْمَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَبِيًّا وَلَا رَسُولًا. بَلْ إِنَّ سُورَةً كَامِلَةً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ سُمِّيَتْ بِسُورَةِ مَرْيَم. قَالَ تَعَالَى عَنْهَا مُزَكِّيًا إِيَّاهَا: ﴿َوَاِذْ قَالَتِ الْمَلٰٓئِكَةُ يَا مَرْيَمُ اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰيكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفٰيكِ عَلٰى نِسَٓاءِ الْعَالَمٖينَ﴾.[1] اَلسَّيِّدَةُ مَرْيَم هِيَ أُمُّ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي وُلِدَ لَهَا مِنْ غَيْرِ أَب. وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَرْيَمَ بِسَبَبِ إِيمَانِهَا وَعِفَّتِهَا وَصَبْرِهَا عَلَى الْمَصَائِب، وَقَدَّمَهَا لَنَا أُسْوَةً وَمِثَالاً كَيْ نَقْتَدِيَ بِهَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ؐ أَنَّهُ قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَان، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِد، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّد، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».[2] ذَلِكَ أَنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَام كَانَتْ فِي زَمَانٍ اِنْتَشَرَ وَسَادَ فِيهِ الطُّغْيَانُ وَالْفُسُوق، وَرَغْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ تُفَارِقِ الصَّبْرَ وَالْعِفَّةَ وَالطَّاعَةَ لِلَّه، فَكَانَتْ بِذَلِكَ جَدِيرَةً بِأَنْ تَكُونَ نَمُوذَجًا لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة. قَالَ تَعَالَى: ﴿َوَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.[3]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَام، اُبْتُلِيتْ بِبَلَاءٍ شَدِيدٍ حِينَ تَكَلَّمَ فِي عِرْضِهَا أُنَاسٌ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِم. لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَسْلِمْ لِهَذَا الْوَاقِع، بَلْ صَبَرَتْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلَتْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى أَتَاهَا النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّه. وَشَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى هِيَ وَابْنَهَا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ، عَلَى رَأْسِهَا أَنَّهُ أَكْرَمَ ابْنَهَا عِيسَى بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿َإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾.[4]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ لَنَا فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَام دُرُوسًا وَعِبَراً كَثِيرَة. خَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَاءِ وَالْعِفَّةِ وَالْإِيمَانِ وَالْقُنُوتِ لِلَّهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَذِيَّةِ النَّاسِ وَالْاِسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى. وَذَلِكَ لِلذُّكُور مِنَّا وَالْإِنَاثِ عَلَى السَّوَاء. فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُول: ﴿َمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.[5]
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِهِ، وَأَنْ يُلْحِقَنَا بِعِبَادِهِ الصَّالِحِين. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين!
[1] سورة آل عمران: 42
[2] سنن الترمذي، كتاب المناقب، 61
[3] سورة التحريم: 12
[4] سورة المائدة: 110
[5] سورة النحل: 97