خطبة
فَضَائِلُ وَخَصَائِصُ شَهْرِ رَمَضَانَ
14.03.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذٖينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۙ ﴿١٨٣﴾ ﴾
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال:
« الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ…»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، هُوَ شَهْرٌ مُثْمِرٌ، وأَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهَذَا الشَّهْرِ مِنْ أَجْلِ الْعِبَادَةِ، وَتَطَوَّرِ الْوَعْي الْأَخَوِيِّ وَالتَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ. وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ أَيْضًا هُوَ شَهْرٌ نُحَاسِبُ فِيهِ أَنْفُسَنَا وَنُقَوِّي إيمَانَنَا. إِنَّنَا كَمُسْلِمِينَ نَتَوَجَّهُ إِلَى اللَّهِ بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَاتِنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ، وَنُزَكِّي وَنُهَذِّبُ أَنْفُسَنَا وَإِرَادَتَنَا بِالصَّوْمِ، وَنَقُومُ بِتَنْقِيَةِ أَمْوَالِنَا مِنَ خِلَالِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنَقْوَى بِوَعِينَا بِكَوْنِنَا أُمَّةً. وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ نُكْمِلُ هَذَا الشَّهْرَ الْمُبَارَكَ الَّذِي نَقْضِي فِيهِ الْعِبَادَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَنَحْنُ تَائِبُونَ وَعَابِدُونَ وقَائِمُونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. بَعْدَمَا فُرِضَ الصِّيَامُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِدُّ اسْتِعْدَادًا مَعْنَوِيًّا بِمَجَيئِ شَهْرِ رَمَضَانَ. كَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَهَمِّيَّةً خَاصَّةً لِرَمَضَانَ، وَكَانَ يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الْعِبَادَةِ. َرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ مَجِيئِ رَمَضَانَ: “أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرُ بَرَكَةٍ يُغْنِيكُمُ اللهُ فِيهِ، فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَيَحُطُّ الْخَطَايَا، وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ، يَنْظُرُ اللهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ“
إنَّ صَوْمَنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يُهَذِّبُ رُوحَنَا وَأَجْسَادَنَا، وَيَخْدُمُ لِإِصْلَاحِ الْمُجْتَمَعِ. كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: (يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذٖينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَۙ) يُشِيرُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنَّ هَدَفَ الصَّوْمِ هُوَ لِيَحْفَظَنَا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ الصِّيَامَ يَحْفَظُنَا مِنْ شَهَوَاتِنَا النَّفْسِيَّةِ، وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ. إِذَا صُمْنَا وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ وَإِيْمَانٍ، بِهَذَا سَيَحْفَظُنَا اللَّهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَات، يَعْنِي مِنْ نَارٍ جَهَنَّمَ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ…» نَحْنُ إذَا زَكَّيْنَا أَنْفُسَنَا، وَأَشْبَعْنَا قُلُوبَنَا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ، وَإِذَا حَافَظْنَا عَلَى قُلُوبِنَا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ، وَإِذَا ابْتَعَدْنَا عَنِ الظُّلُمَاتِ؛ فَحِينَئِذٍ سَنَكُونُ قَدِ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا قَامَ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ حَتَّى وَلَوْ تَبْدُو صَغِيرَةً، وَلَكِنَّهَا سَتَزِيدُ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَإِذَا ابْتَعَدَ عَنْ الحَرَامِ فَكُلُّ هَذَا سَيَكُونُ وَسِيلَةً لِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْمَعْنَوِيَّةِ. لِأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْبَقَاءُ بِدُونِ طَعَامٍ لِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْيَوْمِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ يَعْنِي عَدَمَ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ، وَأَنْ لَا نَغْتَابَ أَحَدًا، وَأنْ لَا نَكْسِرَ قَلْبَ أَحَدٍ. وَيَعْنِي أَيْضًا أَنْ لَا نَقْضِي أَوْقَاتَنَا فِي أَشْيَاءٍ لَسْنَا مَسْؤُولِينَ عَنْهَا. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ الصَّائِمِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى صِيَامِهِ. وَقَدْ حَذَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلًا “رُبَّ صَائمٍ ليسَ لَه مِن صِيَامِهِ إلَّا الجُوعُ ورُبَّ قائمٍ لَيْسَ لَه مِن قِيامِهِ إلَّا السَّهَرُ“
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
فَلْنَتَّحِدْ مَعَ الْقُرْانِ عَنْ طَرِيقِ الْحَلَقَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي سَنَقْرَأُهَا، وَلْنَسْتَفِدْ مِنْ شَهْرِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ عَنْ طَرِيقِ تَقْوِيَةِ إِيْمَانِنَا بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّرَاوِيحِ. كَمَا يُهَذِّبُ الصِّيَامُ نُفُوسَنَا وَقُلُوبَنَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ تُطَهِّرُ مَالَنَا، لِهَذَا فَلْنُزَيِّنْ عِبَادَةَ الصَّوْمِ بِالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ، وَلْنَكُنْ ضُيُوفًا عَلَى مَوَائِدِ إخْوَانِنَا الْمَظْلُومِين فِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ عَنْ طَرِيقِ الصَّدَقَةِ لِكَيْ يَدْعُوا لنا. لِنَسَتَغِلَّ رَمَضَانَ وَكَأَنَّهُ آخِرُ رَمَضَانَ فِي حَيَاتِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَغِلُّ رَمَضَانَ كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَرَسُولُه.
أَمِين.