خطبة
فَضَائِلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
04.04.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ اِنَّٓا اَنْزَلْنَاهُ ف۪ي لَيْلَةِ الْقَدْرِۚ وَمَٓا اَدْرٰيكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِۜ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْرٍۜ تَنَزَّلُ الْمَلٰٓئِكَةُ وَالرُّوحُ ف۪يهَا بِاِذْنِ رَبِّهِمْۚ مِنْ كُلِّ اَمْرٍۙ سَلَامٌ۠ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قَالَ:
« مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ «
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْأَمَاكِنُ الْمُبَارَكَةُ مِثْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْقُدْس لَقَدْ اكْتَسَبَتْ مَعْنًى وَأَهَمِّيَّةً خَاصَّةً بِالْأَحْدَاثِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي التَّارِيخِ وبوجود الْأَنْبِيَاءِ فيها. إِنَّ شَهْرَ رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَرَمَضَانَ يُسَمَّى بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْمُبَارَكَةِ بِسَبَبِ أَنَّ بِهَا لَيَالِيَ مُبَارَكَةً. وَمِنْ بَيْنَ هَذِهِ اللَّيَالِي لَيْلَةُ أُنْزِلَ الْقُرْانُ فِيها، وَمُدِحَتْ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَرِّي عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَظَّمَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ، وَمَيَّزَهَا عَنْ سَائِرِ اللَّيَالِي. وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ هُوَ نُزُولُ سُورَةٍ خَاصَّةٍ بِهَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَبُشِّرَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهَا لَيْلَةٌ تُعَادِلُ أكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ بِهَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ الْعُمْرِ كُلِّهِ، مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى أُمَّتِهِ. وَيُوَضِّحُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا فِي سُورَةِ الْقَدْرِ قِيمَةَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَحِكْمَتَهَا بِقَوْلِه: ﴿اِنَّٓا اَنْزَلْنَاهُ ف۪ي لَيْلَةِ الْقَدْرِۚ وَمَٓا اَدْرٰيكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِۜ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْرٍۜ تَنَزَّلُ الْمَلٰٓئِكَةُ وَالرُّوحُ ف۪يهَا بِاِذْنِ رَبِّهِمْۚ مِنْ كُلِّ اَمْرٍۙ سَلَامٌ۠ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾. وَأَيْضًا تَكْلِيفُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَزِيدُ مِنْ فَضْلِ وَقِيمَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. عِنْدَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرِ الْأَرْبَعِينَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي غَارِ حِرَاء، نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَوَّلِ الْوَحْي وَبُشْرَى النُّبُوَّةِ.
فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ تَتَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِتَشْرِيف الْأَرْضِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ أَيْضًا هِيَ لَيْلَةُ قَرَارِ وَتَقْدِيرِ كُلِّ عَمِلٍ يُقَدَّرُ بِالْحِكْمَةِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَتَسْتَمِرُّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. وَهَذِهِ اللَّيْلَةُ يُقْبَلُ فِيهَا الدُّعَاءُ، وَتُكْثُرُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ، وَتُغْفَرُ فِيهَا الذُّنُوبُ. يَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَيُذَكِّرُنَا بِأَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ فُرْصَةٌ لَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ نَهَارَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَصِيَامَ نَهَارِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُعَادِلُ صِيَامَ سَنَةٍ كَامِلَةٍ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
كُلُّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ رُبَّمَا يَكُونُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَلْنُحَاوِلْ أَنْ نَزِيدَ مِنْ أَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ، وَقِيامِنَا كُلَّ لَيْلَةٍ كَأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. فَلْنَقْرَأْ الْقُرْانَ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ الذي أُنْزِلَ عَلَيْنَا بِهَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَلْنُحَاوِلْ أنْ نَفْهَمَ الْقُرْانَ وَنُطَبِّقَهُ فِي حَيَاتِنَا. وَلَا نَنْسَ أَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ لَيْلَةُ اتِّخَاذِ قَرَارٍ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ. لِنَطْلُبْ الْعَفْوَ عَنْ ذُنُوبِنَا وَخَطَايَانَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلْنُحَاوِلْ أنْ نَتَّخِذَ قَرَارَاتٍ جَدِيدَةً فِي حَيَاتِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلْنَزِدْ مِنْ عِبَادَتِنَا، وَنَسْأَلْ اللَّهَ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَلِعَائِلَتِنَا. وَلَا نَنْسَ إخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ، وَكُلَّ الْمَظْلُومِينَ فِي بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَلْنَذْكُرْهُمْ فِي دُعَائِنَا.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ، وَنَرْجُو مِنَ اللَّهِ أنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّيْلَةُ وَسِيلَةً لِشِفَاءِ مَرْضَانَا وَفَكِّ كَرُوبِنَا. وَنَخْتِمُ خُطَبَتَنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.“