خطبة
فضائل العمرة
22.11.2024بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
﴿ اِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَٓائِرِ اللّٰهِۚ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ اَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ اَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَاؕ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراًۙ فَاِنَّ اللّٰهَ شَاكِرٌ عَلٖيمٌ ﴾
سورة البقرة، الآية ١٥٨
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺَ قَالَ:
« الحجَّاجُ والعمَّارُ وفدُ اللهِ، إن دعوه أجابهم، وإن استغفَروه غفَر لهم »
إبن ماجه، كتاب المناسك، حديث رقم 5
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
فِي دِينِنَا الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِ كَمَا يُوجَدُ رِحْلَاتٌ مَادِّيَّةٌ يُوجَدُ أَيْضًا رِحْلَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ. وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يُعَدُّونَ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ. الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَقْتَصِرَانِ عَلَى السَّفَرِ الْجَسَدِيّ فَقَطْ؛ بَلْ هُمَا أَيْضًا رِحْلَةٌ رُوحِيَّةٌ وَارْتِقَاءٌ مَعْنَوِيّ، وَالْعُمْرَةُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْحَجّ الْأَصْغَرِ لَا تُعْتَبَرُ رِحْلَةً عَادِيَّةً. إِنَّ هَذِهِ الرِّحْلَةَ رِحْلَةٌ مُقَدَّسَةٌ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، الَّذِي بُنِيَ لِلْعِبَادَةِ لِيَكُونَ مَصْدَرَ الرَّحْمَةِ وَالْهَدْيِ لِلْعَالَمِين، وَهُوَ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ.
وَهَذِهِ الرِّحْلَةُ هِي السَّيْرُ نَحْوَ أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ. مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ وَالْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ لَهُمَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي الْإِسْلَامِ. وَهَذِهِ الْأَمَاكِنُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي تُعَدُّ أَفْضَلَ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِهَا ذِكْرَى الْعَدِيدِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؛ مِنْ أَدَمٓ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالنَّبِيّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بُعِثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ أَكْرَمَهَا اللَّهُ بِأَنْ تَكُونَ مَوْلِدَ النَّبِيِّ وَمَبْعِثَهُ. عَاش وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَعَمَلَ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ وَرَعْيِ الْغَنَمِ.
دَعَا لِدِينِ الْإِسْلَامِ فِي مَكَّةَ لِمُدَّةِ ثَلَاثِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوَاجَهَ صُعُوبَاتٍ عَدِيدَةً مَعَ أَصْحَابِهِ خِلَالَ هَذِهِ الْفَتْرَةِ. وَفِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ تُوجَدُ أَمَاكِن لَهَا مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي دِينِنَا، وَكُلُّ مَكَانٍ لَهُ تَارِيخٌ وَدَرْسٌ مُخْتَلِفٌ مِثْلُ غَارِ حِرَاءَ، وَعَرَفَات، ومُزْدَلِفَة، ومِنَى، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ وَفِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ أَيْضًا أَمَاكِنٌ وُطِئَتْ فِيهَا قَدَمُ نَبِيِّنَا، وَأَمَاكِنٌ صَلَّى فِيهَا، وَأَمَاكِنٌ لَهَا مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ جَبَلِ أُحُد، وَجَبَلِ الْخَنْدَق، وَمَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَمَسْجِدِ الْقِبْلَتَيْن، وَالْبَقِيع الَّتِي دُفِنَ فِيهَا مَا يُقَارِبُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. بِكُلِّ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ مَنْزِلَةٌ وَدُرُوسٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ الْمُعْتَمِرِين يَحْتَاجُونَ إلَى التَّكْيِيفِ مَعَ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمُقَدَّسَةِ، وإلى أنْ يَكُونُوا فِي حَالَةِ صَفَاءٍ ذِهْنِيٍ وَرُوحِيِّ لِيَسْتَفِيدُوا مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ بَأفْضَلِ شَكْلٍ مُمْكِنٍ. وَهَذَا يَتَحَقَّقُ بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ، وَالنِّيَّةِ الصَّادِقَة، وَبِالْابْتِعَادِ عَنْ التَّكَبُّرِ وَالْكِبْر، وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْآخَرِين، وَالتَّفَاخُرِ وَالضَّغِينَةِ، وَالْكَرَاهِيَة، وَالْحَسَد، وَالْكَذِبِ.
الْعُمْرَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ نُقْطَةً تُحَوِّلُ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ. وَالْعُمْرَةُ هِي فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ خَاصَّةً لِلشَّبَابِ، لِتَنْقِيَةِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالِابْتِعَادِ عَنِ الْحَرَامِ. هَذِهِ الرِّحْلَةُ الْمُقَدَّسَةُ يَجِبُ أَنْ تُؤَدَّيَ بِوَعْي. وَإِذَا لَمْ تُؤَدَّ بِوَعْي فَقَدَتْ الْعِبَادَةُ مَعْنَاهَا، وَتَحَوَّلَتْ إلَى مُجَرَّدِ رِحْلَةٍ. وَحَتَّى يَصِلَ الْمُعْتَمِرُ إلَى مُرَادِهِ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ عَقْلِيًّا وَرُوحِيًّا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ﴾
وَنَحْنُ كَمُؤَسَّسَةِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ مِلِّي كُورُوش كُنَّا مَحْظُوظِينَ بِمُسَاعَدَةِ إِخْوَانَنَا وَأَخَوَاتِنَا الْكِرَامِ فِي رِحْلَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِمُدَّةِ نِصْفِ قَرْنٍ. نَسْعَ جَاهِدِينَ لِمُرَافَقَتِكُمْ فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. نَدْعُ شَبَابَنَا لِلذِّهَابِ إلَى هَذِهِ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ، خَاصَّةً الْعُمْرَةَ الَّتِي تَكُونُ فِي نِهَايَةِ الْعَامِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ“ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَال، عُمْرَةً مَقْبُولَة وَذَنْبًا مَغْفُورًا لَكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.