خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ٢١\٩\٢٠٢١ – اَلْأَخْبَارُ الْكَاذِبَةُ وَأَزْمَةُ الْمَعْلُومَاتِ الْخَاطِئَة
17.09.2021َيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا فِي عَصْرِ الْمَعْلُومَاتِ هَذَا نَتَعَرَّضُ بِاسْتِمْرَارٍ لِقَصْفٍ مَعْلُومَاتِيٍّ مِنْ كُلِّ جَانِب. وَبِسَبَبِ تَطَوُّرِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ اَلَّتِي تَكَادُ تَكُونُ عَارِيَةً عَنْ أَيَّةِ رِقَابَةٍ، أَصْبَحَ النَّاسُ ضَحَايَا لِعَاصِفَةٍ مَعْلُومَاتِيٍّ لاَ يَتَبَيَّنُونَ الصَّادِقَ فِيهَا عَنِ الْكَاذِبِ وَلاَ يُمَيِّزُونَ السَّلِيمَ مِنْهَا عَنِ السَّقِيم. وَتَنْتَشِرُهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَالْمَعْلُومَاتُ بِشَكْلٍ سَرِيعٍ بَيْنَ الْجَمَاهِير، فَتُؤَدِّي فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ إِلَى إِثَارَةِ النَّاسِ وَتَحْرِيضِهِم. بَيْنَمَا يَقُولُ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُٓوا اِنْ جَٓاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُٓوا اَنْ تُصٖيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلٰى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمٖينَ﴾.[1] وإِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الْمُسْلِمَ الْوَاعِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِكُلِّ خَبَرٍ يَطْرُقُ سَمْعَهُ وَلاَ يَنْقُلُ إِلَيْهِمْ كُلَّ مَعْلُومَةٍ وَصَلَتْ إِلَيْهِ كَشَأْنِ مُوَظَّفِ الْبَرِيد. وَفِي هَذَا الْخُصُوصِ يَلْفِتُ اِنْتِبَاهَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِع».[2]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَنْبَغِي أَنْ نَلْتَزِمَ بِهَذَا الْحَذَرِ وَالْحَسَّاسِيَّةِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّين. وَإِنَّ حَسَّاسِيَّتَنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اَلَّتِي تُشَكِّلُ أَحَدَ مَصْدَرَيْ اَلشَّرِيعَةِ الْإِسْلاَمِيَّةِ لاَ يُمْكِنُ الْاِسْتِخْفَافُ بِهَا وَلاَ التَّهَاوُنُ فِيهَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَال. وَقَدْ تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَاذِبَين، يَرْوِي أَحَدُهُمَا الْكَذِبَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيث، وَيَنْقُلُهُ عَنْهُ الْآخَرُ إِلَى النَّاس.[3] فَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَصَادِرُنَا صَحِيحَةً حِينَمَا نَنْقُلُ الْمَعْلُومَاتِ الدِّينِيَّةِ إِلَى النَّاس.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ آثَارَ انْتِشَارِ الْمَعْلُومَاتِ الْخَاطِئَةِ وَالْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ، حِينَمَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالصِّحَّةِ، تَكُونُ وَخِيْمَة. فَإِنَّ الْمَعْلُومَاتِ الطِّبِّيَّةِ الْخَاطِئَةِ أَصْبَحْتْ تُشَكِّلُ خَطَرًا بَالِغًا عَلَى صِحَّةِ الْأَفْرَادِ وَصِحَّةِ الْمُجْتَمَع. وَلَيْسَ أَمْرُ الْجَائِحَةِ الَّتِي نَمُرُّ بِهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ أَمْرًا مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ الْحَقِيقَة. فَلاَ يَصِحُّ بِحَالٍ أَنْ نُعِيرَ اِهْتِمَامًا بِنَظَرِيَّاتِ الْمُؤَامَرَةِ وَالْأَخْبَارِ وَالْمَعْلُومَاتِ الَّتِي تُشَاعُ عَلَى قَنَوَاتِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ عَنْ مَصْدَرِ هَذِهِ الْجَائِحَةِ وَعَنْ لِقَاحِهَا وَطُرُقِ الْعِلاَجِ مِنْهَا بِلاَ مُسْتَنَدٍ وَلاَ رِقابَة. وَنَحْنُ كَمُسْلِمِينَ لاَ نَتَحَدَّثُ إِلاَّ فِي الْمَجَالاَتِ الَّتِي نُتْقِنُهَا. وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِالطِّبِّ وَقَال: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلاَ يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِن».[4]
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ نُؤْمِنُ بِأَنَّ دَارَ الدُّنْيَا هَذَا دَارُ امْتِحَانٍ وَابْتِلاَء. وَنُؤْمِنُ بِأَنَّنَا إِذَا قَضَيْنَا أَعْمَارَنَا فِيمَا يُرْضِي رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَنَّنَا بِذَلِكَ نَفُوزُ وَنَنْجَحُ فِي هَذَا الْاِمْتِحَان بِإِذْنِ الله. وَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ شُرُوطِ النَّجَاحِ فِي هَذَا الْاِمْتِحَانِ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُنَا وَأَفْعَالُنَا صَحِيحَةً سَلِيمَةً بَعِيدَةً عَنِ الْكَذِبِ وَالْخَطَأ.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا الدِّقَّةَ وَالْحَذَرَ فِيمَا نَقُولُ وَمَا نُخْبِرُ بِهِ النَّاس، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مِنَ التَّعَلُّقِ بِالْخَاطِئِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَكَاذِبِهَا. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه، آمِين.
[1] سورة الحجرات: ٦
[2] صحيح مسلم، المقدمة، ٣
[3] انظر: صحيح مسلم، المقدمة، ١
[4] سنن أبي داود، كتاب الديات، ٢٥
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ٢١\٩\٢٠٢١ – اَلْأَخْبَارُ الْكَاذِبَةُ وَأَزْمَةُ الْمَعْلُومَاتِ الْخَاطِئَة