خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٩/ ٤/٢٠٢٤– الْعِفَّةُ فِي الْإِسْلَامِ
19.04.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
يَصِفُ الْقُرْانُ الْكَرِيمُ الْعِبَادَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: (وَالَّذٖينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَۙ). الْعِفَّةُ تَعْنِي الِابْتِعَادَ عَنِ الْحَرَامِ، وَتَجَنُّبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْحَرَامِ، وَأنْ نَكُونَ ذَا حَيَاءٍ وَاحْتِشَامٍ، وَأَنْ نَعِيشَ حَيَاةً مَبْنِيَّةً عَلَى الْقِيَمِ وَالْأخْلاقِ الْإِسْلَامِيَّة. وَعَرَّفَ كِبَارُ الْعُلَمَاءِ الْعِفَّةَ بِأَنَّه: “تَعْنِي الْبُعْدَ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَالرَّذَائِلِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى ضَبْطِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي تَدْعُو إلَيْهَا النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ، فَهِي جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ الْهَوَى، وَطَاعَةِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَكُلَّمَا ابْتَعَدَ الْمُسْلِمُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالْمَلَذَّاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِلتَّحَلِّي بِالْعِفَّةِ الَّتِي تُوَصِّلُ إلَى تَقْوَى اللَّهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ“. دِينُنَا الْإِسْلَامُ يَأْمُرُنَا بِأَنْ نُحَافِظَ عَلَى أَنْفُسِنَا مِنَ الشَّهَوَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَيُذُمُّ الْمُبَالَغَةَ وَتَعَدِّي الْحُدُودِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي نُزِّلَ مِنْ أَجْلِ سَعَادَةِ وَسَلَامَةِ الْبَشَرِيَّةِ إنَّ الْعِفَّةَ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِشَكْلٍ مُتَسَاوِي. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:(قُلْ لِلْمُؤْمِنٖينَ يَغُضُّوا مِنْ اَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْؕ ذٰلِكَ اَزْكٰى لَهُمْؕ اِنَّ اللّٰهَ خَبٖيرٌ بِمَا يَصْنَعُون) أَبْرَزُ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كَوْنُهُ يَتَجَنَّبُ الْفَوَاحِشَ. وَفِي الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَا يَتْرُكُ الْمُسْلِمُ اللُّطْفَ وَالْمُجَامَلَةَ فِي التَّعَامُلِ، لَكِنَّهُمْ أَيْضًا يُحَافِظُونَ عَلَى جِدِّيَّتِهِمْ. يُشَجِّعُنَا دِينُنَا الْإِسْلَامُ عَلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَأَوْصَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الْمَسَافَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلِّ مَنْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنَّا بِقَوْلِه:(فَمَنِ ابْتَغٰى وَرَٓاءَ ذٰلِكَ فَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْعَادُونَۚ)
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
كَمَا أُمِرْنَا أَنْ نَحْمِيَ عِفَّتَنَا وَكَرَامَتَنَا، يَجِبُ عَلَيْنَا أَيْضًا أَنْ نَتَصَرَّفَ بِعَقْلِ وَإِدْرَاكِ أَنَّ شَرَفَ وَكَرَامَةَ أخَوَاتِنَا أَمْرٌ مُقَدَّسٌ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: (اِنَّ الَّذ۪ينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْاٰخِرَةِۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظ۪يمٌۙ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ اَلْسِنَتُهُمْ وَاَيْد۪يهِمْ وَاَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وَهَذَا التَّحْذِيرُ الإِلَهِيُّ يُخْبِرُنَا أَنَّ الِافْتِرَاءَ بِالمَعْصُومِينَ وَالشُّرَفَاءِ هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ أَنْ يَكُونُوا حَسًّاسِينَ بِشَأْنِ عِفَّةِ النَّاسِ، وَكَرَامَتِهِمْ، وَشَرَفِهِمْ، وَأنْ يَعْتَبِرُوا كَرَامَةَ الْإِنْسَانِ أَمْرًا مُقَدَّسًا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَنَحْنُ نُرَبِّي أَجْيَالَنَا الْقَادِمَةَ يَجِبُ أَنْ نَحْكِيَ لِأَبْنَائِنَا قِصَّةَ النَّبِيِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي أَخْبَرَنَا عَنْهَا رَبُّنَا فِي الْعِفَّةِ. لَقَدْ عَرَفَ النَّبِيُّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ يَتَخَلَّصُ مِنَ الذَّنْبِ، وَيَلْتَجِئُ إلَى رَبِّهِ لِمَا رَاوَدَتْهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ. فَالْتَجَأَ إِلَى رَبِّهِ دَاعِيًا (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ اَحَبُّ اِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنٖٓي اِلَيْهِۚ وَاِلَّا تَصْرِفْ عَنّٖي كَيْدَهُنَّ اَصْبُ اِلَيْهِنَّ وَاَكُنْ مِنَ الْجَاهِلٖينَ) لَقَدِ اخْتَارَ السِّجْنَ حَتَّى يَبْتَعِدَ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ. لِذَلِكَ أَظْهَرَ إرَادَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الذَّنْبِ وَيَقِفَ شَامِخًا مُتَعَفِّفًا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُحَافِظُونَ عَلَى عِفَّتِهُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَلْنَنْهِ خُطْبَتَنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اَللّٰهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى)