خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – مَفْهُومُ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَام
18.08.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مَجْمُوعَ الْخِصَالِ وَالْأَوْصَافِ الَّتِي يَكْتَسِبُهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَكُونُ مَوْلُودًا بهِا يُسَمَّى بِالْأَخْلَاق. فَامْتِلَاكُ الْخِصَالِ وَالْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ خَلُوقًا. وَإِنَّ الْمَرْجِعَ الَّذِي يُحَدِّدُ لَنَا الْحَسَنَ وَيُمَيِّزُهُ عَنِ القَبِيحِ، هُوَ فِي الْإِسْلَامِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ ؐ. فَإِنَّهُمَا وَاحِدٌ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَر. وَلَقَدْ جَسَّدَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ؐ جَمِيعَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ. إِذْ هُوَ ؐ مَبْعُوثٌ لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق. وَسُنَّتُهُ ؐ هِيَ التَّطْبِيقُ الْعَمَلِيُّ لِمَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيم. وَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ؐ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرآن. [1] فَالَّذِي يُحَدِّدُ مَفْهُومَ الْأَخْلَاقِ لَدَى الْمُسْلِمِينَ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولُهُ ؐ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
نَحْنُ أُمَّةُ نَبِيٍّ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق».[2] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ ؐ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم﴾.[3] وَمَهْمَا وُجِدَ فِي التَّارِيخِ مَنْ كَانُوا عَلَى أَجْمَلِ الْخُلُقِ وَعُرِفُوا بِحُسْنِ الْخُلُقِ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا الْمُصْطَفَى ؐ هُوَ سَيِّدُ الْخَلْقِ فِي كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ وَهُوَ الذِّرْوَةُ فِي كُلِّ خَصْلَةٍ عَالِيَة. وَهُوَ قَدْ تَرَكَ لَنَا نَمَاذِجَ أَخْلاقِيَّةً فِي كُلِّ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، إِذْ كَانَ ؐ زَوْجًا وَأَبًا وَصَدِيقًا وَقَائِدًا، وَهُوَ تَحَلَّى فِي كُلِّ ذَلِكَ بِأَجْمَلِ الْأَخْلَاقِ، لِكَيْ تَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ ؐ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة. فَمِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الَّذِينِ يُمَثِّلُونَ مُسْتَقْبَلَ الْإِسْلَامِ أَخْلَاقَ نَبِيِّهِمْ ؐ، وَأَنْ نَجْعَلَهُ ؐ قُدْوَةً فِي حَيَاتِهِم. وَنَحْنُ إِنْ قَصَّرْنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ، مَالَ أَوْلَادُنَا إِلَى غَيْرِهِ وَاتَّخَذُوا خَسَائِسَ النَّاسِ نَمَاذِجَ لَهُمْ فِي سُلُوكِهِم.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخُلُقُ الْحَسَنُ أَبْرَزَ خَصْلَةٍ تُمَيِّزُ الْمُسْلِمَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاس. عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى إِيمَانِهِ وَأَخْلَاقِهِ كَمَا يُحَافِظُ عَلَى رُوحِهِ وَنَفْسِه. عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْكَذِبَ وَالْاِفْتِرَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَأَنْ يَتَحَاشَى الْغِيبَة. وَأَنْ يَظَلَّ صَدُوقًا لَا يَخْشَى فِي قَوْلِ الْحَقِّ لَوْمَةَ لَائِم. قَالَ تَعَالَى وَاصِفًا عِبَادَهُ الْمُتَّقِين: ﴿اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.[4]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الَّذِي يَلْقَى الْقَبُولَ وَالتَّقْدِيرَ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبُ الدِّينِ وَالْخُلُقِ الْحَسَنِ، لَا صَاحِبُ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالشُّهْرَة. قَالَ ؐ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا؛ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».[5] فَمَتَى لَقِي صَاحِبُ الدِّيْنِ وَالْخُلُقِ اَلْاِحْتِرَامَ وَالتَّقْدِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، ظَهَرَتْ آثَارُ ذَلِكَ فِي الْمُجْتَمَعِ لَا مَحَالَة. وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ الْأَقَلِّيَّةَ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْغَرْبِيَّةِ، أَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ مَا بِوُسْعِهِمْ لِيُمَثِّلُوا أَخْلَاقَ الْإِسْلَامِ أَحْسَنَ تَمْثِيل. فَنَحْنُ مَتَى لَازَمْنَا الصِّدْقَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَحْسَنَّا الْجِوَارَ، وَقُمْنَا بِوَاجِبَاتِنَا كَمُوَاطِنِينَ، وَرَاعَيْنَا حُقُوقَ الْعِبَادِ وَالْمُجْتَمَعِ، مَتَى اِمْتَزْنَا بَيْنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَحِينَئِذٍ نَكُونُ قَدْ قُمْنَا بِوَاجِبِ التَّبْلِيغِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى عَاتِقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحَلِّيَنَا وَذُرِّيَاتِنَا بِأَخْلاَقِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا قُدْوَةً لِلنَّاسِ فِي حُسْنِ الْخُلُق. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] صحيح مسلم، كتاب المسافرين، 139
[2] الموطأ، كتاب حسن الخلق، 8؛ مسند أحمد، 2/381
[3] سورة آل عمران: 134
[4] سورة البقرة: 168
[5] سنن أبي داود، كتاب السنة، 15
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – مَفْهُومُ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَام