خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: لَيْلَةُ الْقَدْر
14.04.2023أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
يَوْمَ الْاِثْنَيْنِ الْمُقْبِلَ سَنُدْرِكُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.[1] فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَة. وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهَا مِنَّا بِقَبُولٍ حَسَن.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَيَّزَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَنْ سَائِرِ الْأَشْهُرِ الْأُخْرَى، فَكَذَلِكَ فَضَّلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى أَلْفِ لَيْلَةٍ مِنْ سَائِرِ اللَّيَالِي الْأُخْرَى. وَلِهَذَا قَالَ ؐ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».[2] وَتَأْتِي أَهَمِّيَّةُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ كَوْنِهَا هِيَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا الْقُرْان، اَلَّذِي هُوَ دُسْتُورُ الْهِدَايَةِ لِلْبَشَرِيَّةِ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِين. فَمَنِ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ وَوَقَفَ عِنْدَ حُدُودِهِ، فَقَدْ فَازَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَا شَكَّ أَنَّ النَّمَوْذَجَ الْأَكْبَرَ لَنَا فِي كَيْفِيَّةِ إِحْيَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ هُوَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ. وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى سِيرَتِهِ ؐ وَجَدْنَاهُ يَقُول: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».[3] وَوَجَدْنَاهُ ؐ حِينَ سَأَلَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَمَّا تَدْعُو بِهِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، يُجِيبُهَا قَائِلًا: قُولِي: «اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».[4] وَقَدْ وَصَفَتْ لَنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَيْفَ كَانَ حَالُ النَّبِيِّ ؐ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِه. وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أهْلَه».[5]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
تَعَالَوْا نَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الذَّهَبِيَّة، اَلَّتِي لَا تَأْتِي فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَة. تَعَالَوْا نُحْيِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يُحْيِيهَا، بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبِطُولِ الْوُقُوفِ عَلَى بَابِ رَحْمَتِهِ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ وَالتَّذَلُّلِ وَالْاِنْكِسَارِ بَيْنَ يَدَيْه. وَلْنَدْعُ اللَّهَ تَعَالَى لِأَنْفُسِنَا وَلِإِخَوَانِنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَرْض. وَلَا نَنْسَ إِخْوَانَنَا ضَحَايَا الزَّلَازِلِ وَإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ وَفِي تُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّة.
وَلْنَحْرِصْ عَلَى حُضُورِ الْبَرَامِجِ الَّتِي تُنَظَّمُ فِي مَسَاجِدِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة. وَلْنَعْلَمْ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَة.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا إِلَى اِغْتِنَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاه، وَأَلَّا يَحْرِمَنَا بَرَكَاتِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ الْأَعْمَال. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] سورة القدر: 1-5
[2] صحيح البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، 1
[3] صحيح البخاري، كتاب ليلة القدر، 3
[4] صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، 8
[5] صحيح البخاري، كتاب ليلة القدر، 5