خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: لَيْلَةُ الْقَدْر
21.04.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
لَقَدْ أَدْرَكْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ اَلْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان. وَإِحْدَى لَيَالِي هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْر، اَلَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ؐ قَال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَان».[2] وَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِين، قَدْ تَلَقَّاهَا عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ أَيْضًا، وَدَرَجَتِ الْأُمَّةُ الْإِسْلاَمِيَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْر. وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا سَنُحْيِي اللَّيْلَةَ السَّابِعَةَ وَالْعِشْرِينَ مُجْتَمِعِينَ فِي مَسَاجِدِنَا، إِلَّا أَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ بِأَنْفُسِنَا فِي إِحْيَاءِ جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِر. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِه».[3] وَعَنْهَا أَيْضًا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر».[4]
وَقَدْ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ عَلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْقِيَامِ، قَالَ ؐ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيْمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».[5] فعَلَيْنَا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَة، اَلَّتِي يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهَا جَمِيعَ الذُّنُوبِ سِوَى حُقُوقِ الْعِبَاد. عَلَيْنَا أَلَّا نُفَوِّتَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الذَّهَبِيَّة.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ الَّذِي مَيَّزَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَجَعَلَهَا خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْر، هُوَ كَوْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى اَلْقُرْآنِ نَزَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، لِهِدَايَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَإِسْعَادِهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفِي دَارِ الْآخِرَة. فَمَنْ لَازَمَهُ وَالْتَزَمَ حُدُودَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيه، فَقَدْ أَفْلَحَ وَسَعِد. وَمَن هَجَرَهُ وَجَافَاه، فَقَدْ خَابَ وَشَقِي. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْظَمَ تَفْسِيرٍ لِلْقُرْآنِ وَأَجْمَلَ مِثَالٍ لَهُ هُوَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ؐ. وَأَيُّ سَبِيلٍ غَيْرَ سَبِيلِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَا إِلَى الْهَلَاكِ وَالضَّلَالِ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّه. وَأَحْسَنُ طَرِيقَةٍ لِلْاِسْتِفَادَةِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، هِيَ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى تِلَاوَتِهِ طِوَالَ حَيَاتِنَا. وَلَا بُدَّ أَنْ نَفْهَمَ مَا نَقْرَأ، ثُمَّ أَنْ نَعْمَلَ بِمَا فَهِمْنَا، فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا. فَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِنَا، وَهُوَ الْحَلُّ لِجَمِيعِ مُشْكِلَاتِ الْعَالَم.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى إِحْيَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِحَقِّهَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْعَامِلِينَ بِمَا فِيه. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين!
[1] سورة القدر: 1-5
[2] صحيح البخاري، كتاب ليلة القدر، 3
[3] صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، 8
[4] صحيح البخاري، كتاب ليلة القدر، 5
[5] صحيح مسلم، كتاب المسافرين، 175