خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: كُلُّ حَيَاةٍ مُهِمَّةٌ
26.09.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْمُسْلِمُ حَيَاتُهُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ عِبَادَةٍ فَقَطْ. وَغَيْرُ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ القِيَامَ بِوَاجَبَتِنَا الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهَا تُجَاهَ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْمُجْتَمَعِ، وَالْبِيئَةِ أَمْرٌ أَسَاسِيّ، وَمِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْنَا نَحْنُ كَمُسْلِمِينَ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿وَاَنْفِقُوا فٖي سَبٖيلِ اللّٰهِ وَلَا تُلْقُوا بِاَيْدٖيكُمْ اِلَى التَّهْلُكَةِۚۛ وَاَحْسِنُواۚۛ اِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنٖينَ﴾
نَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ سَوَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ. ولَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إلَّا بِتَقْوَى اللَّهِ. إِنَّ النَّاسَ إمَّا إخْوَةٌ فِي الدِّينِ وَإمَّا إخْوَةٌ فِي الخَلْقِ. حُبُّ الْعِبَادِ لِلَّهِ هُوَ مِنْ أَسَاسِ دِينِنَا الْعَظِيمِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ هُمَا الرَّكِيزَتَان الْأَسَاسِيَتَان اللَّتَانِ يَقُومُ عَلَيْهِمَا الْمُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِيُّ. الْمُسْلِمُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ. إنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ. إنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ يَمْنَعُنَا مِنْ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالظُّلْمِ. وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: «كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لا فَضْلَ لِعَربيٍّ عَلى عَجَميٍّ، ولا لِعَجَميٍّ عَلَى عَرَبيٍّ إلَّا بالتَّقوَى» يُؤَكِّدُ لَنَا أَنَّ النَّاسَ مُتَسَاوُونَ. يَهْتَمُّ الْمُسْلِمُ دَائِمًا عَلَى تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَالسَّلَامِ فِي حَيَاتِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّة، وَيَرَى الِاخْتِلَافَ نِعْمَةً بَيْنَ الْبَشَرِ، وَيَبْذُلُ الْمُسْلِمُ كُلَّ مَا بِوُسْعِهِ لِيَتَعَايَشَ مَعَ الْمُجْتَمَعِ وَالنَّاسِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
لِكَيْ نَعِيشَ وَنَحْيَا كَمُسْلِمِينَ يَجِبُ أَنْ نَنْشُرَ الْخَيْرَ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فِي مَدَارِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدَالَة. اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُنَا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْبُشْرَى بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِؕ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وَتَنْفِيذُ هَذَا الْأَمْرِ لَيْسَ وَاجِبًا فَرْدِيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ اجْتِمَاعِيّ أَيْضًا. يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُحَاوِلَ وَيَسْعَى لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ. سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْإِنْسَانِ، أَوْ لِلْحَيَوَانِ، أَوْ حَتَّى لِلنَّبَاتِ فَهِيَ هِبَةٌ وَنِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ، يَجِبُ الحِفَاظُ عَلَيْهَا بِاحْتِرَامٍ وَعِنَايَةٍ. لَقَدْ أَصْبَحَ الظُّلْمُ وَالْعُنْصُرِيَّةُ وَاحْتِقَارُ الإِنْسَانِ أَمْرًا شَائِعًا فِي يَوْمِنَا هَذَا. يَرَى المُسْلِمُ كُلَّ إنْسَانٍ خَلَقَهُ اللَّهُ كَمُخَلُوقٍ وَيُعَامِلُهُ بِالْعَدْل دُونَ عُنْصُرِيَّةٍ. كُلُّ إنْسَانٍ عِنْدَ اللَّهِ مُتَسَاوٍ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ لَوْنِهِ، وَقَوْمِهِ، وَلُغَتِهِ، وَمَكَانَتِهِ. إنَّ احْتِقَارَ الإِنْسَانِ وَالْعُنْصُرِيَّةَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَرْفُضُهَا الْإِسْلَامُ. نَحْنُ كَمُسْلِمِينَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَقِفَ ضِدَّ الظُّلْمِ وَنُدَافِعَ وَنَنْشُرَ فِكْرَةَ أَنَّ الْحَيَاةَ مُهِمَّةٌ وَقَيِّمَةٌ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ وَغَيْرِ الْبَشَر. فَيَجِبُ عَلَيْنَا حِمَايَةُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَعِيشُ مَعَنَا فِي حَيَاتِنَا، وَلَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّهُمْ أَيْضًا مَخْلُوقَاتٌ مَثْلُنَا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
فِي يَوْمِ “الْمَسْجِدِ الْمَفْتُوحِ” الَّذِي سَيُقَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أُكْتُوبَر سَنَجْتَمِعُ مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ الِاجْتِمَاعِيّ مِنْ خِلَالِ شِعَارِ “كُلُّ حَيَاةٍ مُهِمَّةٌ”. سَنُوَاجِهُ الْعُنْصُرِيَّةَ وَالْعُنْفَ بِالرَّحْمَة، وَسَنُبَيِّنُ لِكُلِّ النَّاسِ فِكْرَةَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُتَسَاوُونَ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّقْوَى. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَانُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ»
فَلْنَكُنْ نَحْنُ قَلْبَ وَلِسَانَ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى الرَّحْمَةِ أَكْثَر مِنْ أَيِّ كَائِنٍ آخَرٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ الرُّحَمَاءِ وَالْعَادَلِين، وَمِنْ الَّذِينَ يُدَافِعُونَ عَنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ.