خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: فضل ليلة القدر

20.03.2025
Takke Tesbih Turuncu

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

هَا نَحْنُ نَقْتَرِبُ مِنْ لَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ مُبَارَكَةٍ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَ يَوْمَيْ الْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ إِنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي تَتَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِنِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَيَجْعَلُنَا نُدْرِكُ هَذِهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ وَالْقَيِّمَةَ، وَجَعَلَهَا لَنَا فُرْصَةً عَظِيمَةً لِنَلْجَأَ إليْهِ ونَسْتَغْفِرَهُ وَنَتُوبَ إِلَيْهِ.

إِنَّ إِدْرَاكَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ شَرَفٌ عَظِيمٌ، وَفَضْلٌ كَبِيرٌ. وَكَلِمَةُ الْقَدْرِ فِي الْقَامُوسِ تَعْنِي الْقُدْرَةَ وَالْعِزَّةَ. وَفِي دِينِنَا تَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ. نَزَلَتْ سُورَةُ الْقَدْرِ تَتَحَدَّثُ عَنْ فَضْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ: ﴿اِنَّٓا اَنْزَلْنَاهُ فٖي لَيْلَةِ الْقَدْرِۚوَمَٓا اَدْرٰيكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِؕ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْرٍؕ تَنَزَّلُ الْمَلٰٓئِكَةُ وَالرُّوحُ فٖيهَا بِاِذْنِ رَبِّهِمْۚ مِنْ كُلِّ اَمْرٍ سَلَامٌࣞۛ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ فَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَضْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَ: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ». وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تَكُونُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ: «تَحرّوْا لَيْلةَ القَدْرِ في الوتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَواخِرِ منْ رمَضَانَ» أَكَّدَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي اللَّيَالِي الْوِتْرِيَّةِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ إِنَّهَا اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِخْفَائِهَا أَنْ يَجْتَهِدَ الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ الْعَشْرِ، فَيُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيَبْتَعِدُ عَنْ كُلِّ مَا يُلْهِي الْقَلْبَ وَيَصْرِفُهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَلِكَيْ يَتَمَكَّنَ نَبِيُّنَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ طِوَالَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، لِكَيْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِدْرَاكِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَضَاءِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَيَكُونَ قُدْوَةً لِأُمَّتِهِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ السَّبَبَ الْأَسَاسِيَّ الَّذِي يَجْعَلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةً مُهِمَّةً هُوَ أَنْ تَكُونَ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَدَأَ فِيهَا نُزُولُ الْقُرْآنِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ فَضْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ نَفْهَمُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ نُزُولَ رِسَالَةٍ مِنَ اللَّهِ. هَذِهِ الرِّسَالَةُ تُخْرِجُ الْبَشَرِيَّةَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَتَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبِهَذِهِ الرِّسَالَةِ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ، وَهِدَايَةٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. إنَّ اغْتِنَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَةِ رِبْحٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ تُعَادِلُ عِبَادَةَ أَلْفِ شَهْرٍ. وَمِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ بِهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَأَدَاءُ الصَّلَاةِ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَالسَّعْيُ فِي قَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ يَجِبُ أَنْ نَمُدَّ يَدَ الْعَوْنِ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَأَنْ نُشَارِكَهُمْ فِي الْخَيْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَتَضَرَّعَ فِي الدُّعَاءِ قَوْلًا وَعَمَلًا خُصُوصًا الدُّعَاءَ لِلْمَظْلُومِينَ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَمَا أَقُولُ فِيهَا، قَالَ: «قُولِي: اَللَّهُمَّ إنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.» وَاسْتِنَادًا إِلَى الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يُمْكِنُنَا الْقَوْلُ بِأنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ. وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَدَأَتْ فِيهَا رِسَالَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. وَهِيَ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. إِذْ أَنَّهَا اللَّيْلَةُ الْأُولَى الَّتِي الْتَقَى فِيهَا الْوَحْيُ مَعَ الْبَشَرِيَّةِ. وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَنْزِلُ فِيهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمَلَائِكَةُ. وَإِنَّهَا لَيْلَةُ اَلسَّلَامِ وَالصَّفَاءِ، وَمَلِيئَةٌ بِالطُّمَأْنِينَةِ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ. نَسْأَلُ اَللَّهَ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ لَيْلَةَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى الأُمَّةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ وَعَلَى اَلْبَشَرِيَّةِ أجْمَعَ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا فِيهَا بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَتَقَبَّلْ مِنَّا أَعْمَالَنَا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: فضل ليلة القدر

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com