خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: فضل الدعاء
29.08.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الدُّعَاءُ بِمَعْنَاهُ الْعَامِّ الطَّلَبُ مَعَ الْخُضُوعِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا سُؤَالًا. المُرَادُ بِالدُّعَاءِ هُوَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ رَبَّهُ بِمَا يُرِيدُ. وَإِنَّ لِلدُّعَاءِ أَثَرًا عَظِيمًا عَلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَالشُّعُورِ بِالسَّعَادَة؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ. وَيَكُونُ الدُّعَاءُ هُوَ تَرَابُطٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. وَهَذَا الرَّابِطُ عِبَادَةٌ يُرِيدُهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونٖٓي اَسْتَجِبْ لَكُمْؕ اِنَّ الَّذٖينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتٖي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرٖينَࣖ﴾
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ أَنَّهُ جَوْهَرُ الْعِبَادَة، وَوَسِيلَةٌ قَوِيَّةٌ لِفَتْحِ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ، وَحَثَّنَا عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ. وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «ليسَ شيءٌ أكرمَ علَى اللهِ مِن الدُّعاءِ»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
يَنْبَغِي ألَّا نُقَصِّرَ أَبَدًا الدُّعَاءَ فَهُوَ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ. مِنْ وَاجِبِ كُلِّ مُسْلِمٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى رَبِّهِ، الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَأَنْ يَتَضَرَّعَ إلَيْهِ، وَأَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ وَيَلْجَأَ إلَيْهِ لِيُيَسِّرَ أُمُورَهُ الصَّعْبَةَ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَاِذَا سَاَلَكَ عِبَادٖي عَنّٖي فَاِنّٖي قَرٖيبٌؕ اُجٖيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اِذَا دَعَانِۙ فَلْيَسْتَجٖيبُوا لٖي وَلْيُؤْمِنُوا بٖي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ يَجِبُ عَلَيْنَا أَوَّلًا أَنْ نَتَضَرَّعَ إِلَى رَبِّنَا بِقَلْبٍ خَاشِعٍ عِنْدَمَا نَدْعُو، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَٓا اٰتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْاٰخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ عَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ. فَيَنْبَغِي أَنْ نَطْلُبَ فِي الدُّعَاءِ أَحْسَنَ نِعَمِ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَالرَّحْمَةَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَلَا أَحَدَ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِنَتَوَجَّهَ إلَيْه وَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
كَمَا نَسْأَلُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنْفُسِنَا يَنْبَغِي أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى هَذَا الْخَيْرَ أَيْضًا لِعَائِلَاتِنَا، وَأَوْلَادِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَلِلْأُمَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَجْمَعِينَ، وَنَتَضَرَّعَ إلَى اللَّهِ لِلنَّجَاةِ مِنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالْمُصِيبَةِ وَالْبَلَاءِ. لِأَنَّنَا كَعِبَادِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عِنْدَمَا نُظْهِرُ أَحْوَالَنَا كُلَّهَا لِلَّهِ، نَكُونُ قَدْ أَظْهَرْنَا الْوَلَاءَ وَالصِّدْقَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ يَا رَبِّ، إِنَّ مَا اعْتَمِدَ عَلَيْهِ وَأثِقُ وَأَسْتَعِينُ بِهِ، لَيْسَ جَسَدِي الضَّعِيفَ هَذَا، وَلَا أَفْعَالِي الْمَحْدُودَةَ الَّتِي لَا غِنَاءَ فِيهَا، بَلْ اعْتَمِدُ عَلَى عَظَمَةِ قُدْرَتِك أَنْتَ، أَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَهَذَا هُوَ تَصْدِيقُنَا بِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَإِظْهَارُ ضَعْفِنَا وَعَجْزِنَا نَحْنُ. وَهَذَا لَا يَخْرُجُ مِنَّا فِي الْحَالَاتِ الصَّعْبَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُنَا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نُكْثِرَ الدُّعَاءَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، حَتَّى يَسْتَجِيبَ اللَّهُ دُعَائَنَا فِي الْأَوْقَاتِ الصَّعْبَةِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِهِ الشَّرِيفِ: «مَن سَرَّهُ أن يَسْتَجيبَ اللهُ له عِندَ الشدائدِ؛ فلْيُكْثِرِ الدعاءَ في الرَّخاءِ»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَلْنَنْهِ خُطْبَتَنَا بِهَذَا الدُّعَاءِ: سُبْحَانَك رَبِّيَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى الْوَهَّاب. اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا. نَحْنُ الْانَ كَمُسْلِمِينَ جَمِيعًا نَمُرُّ بِابْتِلَاءٍ شَدِيدٍ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك يَا اللَّهُ، يَا مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، أنْ تَكْشِفَ عَنَّا وَعَنِ الْعَالَمِينَ الضُّرَّ، وَأنْ تَقِينَا كُلَّ مَكْرُوهٍ وَشَرّ، وَأنْ تَحْفَظَ عَلَيْنَا أَمْنَنَا وَسَلَامَتَنَا. اللَّهُمَّ احْفَظِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَاحْفَظْ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلادِ المُسْلِمِينَ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِين يَحْمُون بِلَادَهُمْ. اللَّهُمَّ انْصُرْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَزَّةَ وَتُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةِ وَفِي كُلِّ مَكَان، اللَّهُمّ كُنْ لَهُمْ وَلِيًّا وَنَصِيرا، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا. اللَّهُمّ أَعِنْ كُلَّ مَنْ يُحَاوِلُ وَيَسْعَى لِخِدْمَةِ الْإِسْلَامِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَأَعِنَّا عَلَيْه وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْإِسْلَامِ أَمِينِ.