خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: خصوصية الإنسان
16.08.2024أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إنَّ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الَّتِي تُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي هَذَا الْعَصْرِ فِي مَوَاقِفَ صَعْبَةٍ هُو انْتِشَارُ ثَقَافَةِ الْفَضْحِ وَانْتِهَاكُ الْخُصُوصِيَّة. الْإِفْشَاءُ هُوَ إظْهَارُ وَنَشْرُ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِرِّيًّا. حَتَّى الْخُصُوصِيَّات الَّتِي يَنْبَغِي إخْفَاؤُهَا وَالْحِفَاظُ عَلَيْهَا أَصْبَحَ إفْشَاؤُهَا كَعَادَةٍ بَيْنَ النَّاسِ. عَلَى أَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ هِيَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَكَّدَ عَلَيْهَا دِينُنَا الْإِسْلَامُ بِأَنَّهَا مِنْ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَيُخْفِيهِ، يَدْخُلُ فِي الْخُصُوصِيَّةِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إنَّ مِنْ أَهَمِّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَامِ هِيَ الْخُصُوصِيَّةُ. دِينُنَا اهْتَمَّ بِالْخُصُوصِيَّةِ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي؛ أَمَّا الْجَانِبُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَا فَهُوَ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْأَدَبِ وَالْحَيَاءِ. وَفِي هَذَا الْبَابِ وَضَّحَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهَمِّيَّةِ الْحَيَاء بِقَوْلِه «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ» إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺَ رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ» إنَّ كَشْفَ الْعَوْرَاتِ أَمَامَ النَّاسِ يُسَمَّى بِعَدَمِ الْحَيَاء .لَكِنْ لِلْأَسَفِ كُلُّ شَيْءٍ خُصُوصِيّ، وَيُعَدُّ مِنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَصْبَح يُنْشَرُ عَلَى الْعَامَّةِ بِدُون خَجَلٍ، خَاصَّةً عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَيُسَبِّبُ هَذَا لِكَشْفِ وَانْتِهَاكِ عَوْرَاتِ وَخُصُوصِيَّاتِ الأُسْرَةِ. كُلُّ مَا مُتَعَلِّقٌ بِخُصُوصِيَّتِنَا يَجِبُ أَنْ يَظَلَّ شَخْصِيًّا وَسِرِّيًا، وَأُمُورُنَا العَائِلِيَّةُ يَجِبُ أَنْ تَظَلَّ بَيْنَ الْعَائِلَةِ فَقَطْ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَالْخُصُوصِيَّةُ لَيْسَتْ فَقَطْ مُهِمَّةً لَنَا وَلِعَائِلَتِنَا، بَلْ خُصُوصِيَّةُ بِيئَتِنَا وَخُصُوصِيَّةُ كُلِّ شَخْصٍ آخَرٍ مُهِمَّةٌ أَيْضًا. و َجَاءَ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ مُوَضِّحًا أَنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامَ يَحْتَرِمُ خُصُوصِيَّةَ الْاخَرِينَ بِقَوْلِهِ ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا…﴾ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ». وَيَلْفِتُ الِانْتِبَاهَ إِلَى خُطُورَةِ مَنْ يَنْتَهِكُ خُصُوصِيَّةَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. لَا يُمْكِنُنَا انْتِهَاكُ خُصُوصِيَّةِ الْآخَرِينَ. لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ لَدَيْهِ مِسَاحَةٌ خَاصَّةٌ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَنْتَهِكَهَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَإِنَّ الْمِسَاحَةَ الْخَاصَّةَ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِلَا شَكٍّ هُوَ الْمَنْزِلُ. يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِمُفْرَدِهِ أَوْ مَعَ عَائِلَتِهِ هُوَ الْمَكَانُ الْخَاصُّ بِهِ، وَيُعَدُّ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ﴿يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّٰى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلٰٓى اَهْلِهَاؕ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ بَيْتًا أنْ يَدْخُل بِأَدَبٍ، وَيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحلُّ لأمرئ أن ينظُرَ في جوفِ بيتِ امرئ حتَّى يستأذِنَ، فإن نظرَ فقد دخلَ» بِمَعْنَى آخَرٍ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُبْعِدَ أَعَيُنَنَا عَنْ خُصُوصِيَّةِ الْبُيُوت، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ هَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي دِينِنَا الْإِسْلَامِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الَّذِين يُحَافِظُونَ عَلَى أَسْرَارِ بُيُوتِهِمْ وَخُصُوصِيَّتِهِمْ.