خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة – تَوْدِيعُ شَهْرِ رَمَضَان
28.04.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِنْ كُنَّا نَعِيشُ سَعَادَةَ أَنَ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا إِلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، فَإِنَّنَا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ نَشْعُرُ بِالْحُزْنِ عَلَى اقْتِرَابِ وَقْتِ فِرَاقِنَا لِهَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَك. فَقَدْ كَانَ رَمَضَانُ كَأَنَّهُ أَحْيَانَا مِنْ جَدِيدٍ، وَذَكَّرَنَا بِقِيَمِنَا وَمَبَادِئِنَا، وَدَعَانَا إِلَى الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَإِلَى الرَّحْمَةِ بِعِبَادِهِ، وَالْمُشَارَكَةِ مَعَهُم. دَعَانَا رَمَضَانُ إِلَى الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَأَرْشَدَنَا مِنْ جَدِيدٍ إِلَى طُرُقِ الْفَلَاحِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْن. إِنَّ رَمَضَانَ أَحْيَا أَرْضَ الْقُلُوبِ الَّتِي كَانَتْ قَدْ أَجْدَبَتْ، وَرَبَطَ الْقُلُوبَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم. وَمَنَحَنَا بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فُرْصَةَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّيَالِي، وَالْاِلْتِجَاءِ إِلَيْهِ سُبْحَانَه.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ نَتَذَكَّرُ فِيهِ مَا نَسِينَا، وَنُصْلِحُ فِيهِ مَا كَسَرْنَا، وَنَسْتَسْمِحُ فِيهِ مَنْ أَحْزَنَّا. رَمَضَانُ شَهْرُ تَوْقِيرِ الْكِبَارِ، وَشَهْرُ الرَّحْمَةِ بِالصِّغَار. وَهُوَ شَهْرُ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَسَاكِينِ وَالضُّعَفَاء. وَهُوَ شَهْرٌ يُذَكِّرُ الْإِنْسَانَ الْغَارِقَ فِي الْمَشَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِنَفْسِهِ وَبِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. يُذَكِّرُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ وَأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةِ هِيَ الْبَاقِيَة. رَمَضَانُ يَجْعَلُنَا نَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى أَنْفُسِنَا لِنُحَاسِبَهَا وَنُرَاجِعَهَا. وَهُوَ يُذَكِّرُنَا بِأَنْ نُطَهِّرَ أَمْوَالَنَا مِنَ الْحَرَامِ وَقُلُوبَنَا مِنَ الْبُخْلِ، عَنْ طَرِيقِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْر. وَهُوَ يُتِيحُ لَنَا فُرْصَةَ الْاِعْتِكَافِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ، اَلَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْعِتْقِ مِنَ النَّار. فَعَلَيْنَا بِالْإِكْثَارِ مِنَ الْاِسْتِغْفَارِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خُصُوصًا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿وَالْعَصْرِۙ اِنَّ الْاِنْسَانَ لَفي خُسْرٍۙ اِلَّا الَّذينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.[1] فَالْعَقِيدَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الرَّاسِخَةُ فِي قُلُوبِنَا تَنْعَكِسُ عَلَى حَيَاتِنَا عَنْ طَرِيقِ عَمَلِ الصَّالِحَات. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، يَشْمَلُ كُلَّ عِبَادَةٍ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلَّ عَمَلٍ فِيهِ نَفْعٌ لِلنَّاسِ وَأُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّه. فَالْجَانِبُ الْبَارِزُ وَالْمَرْئِيُّ مِنْ إِسْلَامِنَا، يَتَمَثَّلُ فِي تَصَرُّفَاتِنَا مَعَ النَّاسِ، وَفِيمَا نُقَدِّمُهُ لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ فَائِدَة. قَالَ ؐ: «خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاس».[2] فَعَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ بِمَا اعْتَدْنَا عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، مِنْ عَمِلَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَأَنْ نَجْعَلَ ذَلِكَ عَادَةً دَائِمَةً لَنَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَيْضًا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
فِي يَوْمِ الْاِثْنَيْنِ الْقَادِم، سَنُوَدِّعُ رَمَضَانَ وَنُدْرِكُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى عِيدَ الْفِطْر. فَلْنَغْتَنِمْ هَذِه الأَيَّامَ الْبَاقِيَةَ مِنْ رَمَضَانَ، وَلْنَدْعُ اللَّهَ فِيهَا لِأَنْفُسِنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِين. وَلَا نَنْسَ زِيَارَةَ قُبُورِ مَوْتَانَا فِي الْعِيدِ، وَلَا أَنْ نَصِلَ أَقَارِبَنَا. وَلْنَتَسَامَحْ مَعَ أَحْبَابِنَا وَأَصْدِقَائِنَا. وَلْنَتَذَكَّرْ إِخْرَاجَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ زَكَاةِ الْمَالِ، اَلَّتِي تَطْهُرُ بِهَا أَمْوَالُنَا مِنْ دَنَسِهَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
لَا تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُدْسِ وَفِي أَرَاكَانَ وَفِي تُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةَ، وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَاد. وَكَيْفَ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْعِيدَ فِي أَحْزَانٍ وَمَصَاعِبَ وَابْتِلَاءَات. يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».[3] فَلَا نَنْسَ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ فِي أَدْعِيَتِنَا.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَلِّغَ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ أَعْيَادًا تَطْمَئِنُّ فِيهَا قُلُوبُهُمْ وَتَنْشَرِح، وَأَنْ يُدِيمَ هَذِهِ النِّعْمَةَ عَلَيْنَا. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين!
وَكُلُّ عَامٍ وَأَنْتُمْ بِخَيْر.
[1] سورة العصر: 1-3
[2] صحيح البخاري، كتاب المغازي، 35
[3] صحيح البخاري، كتاب الأدب، 27؛ صحيح مسلم، كتاب البر، 66