خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلْمَوْلِدُ النَّبَوِيّ
06.10.2022أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا سَنُحْيِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ مَوْلِدَ الْمُصْطَفَى ؐ اَلْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين. وَلَقَدِ اعْتَادَ الْمُسْلِمُونَ مُنْذُ عُصُورٍ قَدِيمَةٍ عَلَى اسْتِغْلَالِ هَذِهِ الْفُرْصَةَ لِتَذَكُّرِ حَبِيبِنَا الْمُصْطَفَى ؐ وَقِرَاءَةِ سُنَّتِه. وَالْمُسْلِمُونَ فِي مُخْتَلَفِ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ يَغْتَنِمُونَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ بِطُرُقٍ وَفَعَالِيَّاتٍ شَتَّى. وَالْجَمِيعُ يَنْبُضُ قَلْبُهُ حُبًّا لِلْمُصْطَفَى ؐ، وَيَلْهَجُ لِسَانُهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَيَتَذَاكَرُ الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ سُنَّتَهُ وَحُسْنَ أَخْلَاقِهِ ؐ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ رَأْسَ مَالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ ؐ وَمَحَبَّتُه. وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَا تُشْبِهُ مَحَبَّةَ أَيِّ إِنْسَانٍ آخَر. إِنَّهَا مَحَبَّةٌ لَمْ تَفْقِدْ شَيْئًا مِنْ حَيَوِيَّتِهَا مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ 14 (أَرْبَعَةَ عَشَرَ) قَرْنًا، وَلَنْ تَزَالَ حَيَّةً فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ بِإِذْنِ اللَّه. قَالَ ؐ: «اَلْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ».[1] فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَعَ حَبِيبِكَ الْمُصْطَفَى ؐ.
إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ؐ مَكَانَةً فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهَا. فَحَتَّى ذِكْرُ اِسْمِهِ ؐ يُهَيِّجُ قَلْبَ الْمُسْلِمِ الْمُتَّقِي، وَيُذْرِفُ عَيْنَه. فَهَذِه أُمَّةٌ خَضَعَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ الْقَائِل: ﴿ِإِنَّ اللّٰهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّؕ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلٖيماً﴾.[2] وَبَخِيلٌ مَنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُصْطَفَى ؐ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْه.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّنَا وَإِنْ لَمْ نُرْزَقْ رُؤْيَتَهُ ؐ عِيَانًا، فَإِنَّنَا آمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ؐ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أوَلَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رَسولَ اللَّه؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْد».[3] وَرُوِيَ أَنَّهُ ؐ قَالَ ذَاتَ مَرَّة: «طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَرَآنِي» مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: «طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي» سَبْعَ مَرَّات.[4] فَبُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَطُوبَى.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ ؐ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَطَاعَتُهُ ؐ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَوَامِ تَذَكُّرِهِ وَالْفَهْمِ عَلَيْهِ وَالْعَمَلِ بِسُنَّتِهِ ؐ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا﴾.[5]
فَعَلَيْنَا بِقِرَاءَةِ سِيرَتِهِ ؐ، وَأَنْ نَحُثَّ عَلَيْهَا أَزْوَاجَنَا وَأَوْلَادَنَا وَأَصْدِقَاءَنَا. عَلَيْنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِخُلُقِهِ الْعَظِيمِ ؐ، وَأَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَا لَا يَقِلُّ عَنْ 100 (مِئَةِ) مَرَّة، وَأَنْ نَجْعَلَ ذَلِكَ وِرْدًا لَنَا. هَكَذَا نَبْنِي صِلَتَنَا بِالنَّبِيِّ ؐ وَنُقَوِّيهِ مِنْ جَدِيد.
أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَنَا حُبَّهُ وَحُبَّ نَبِيِّهِ ؐ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا إِلَى اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ ؐ. إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.
[1] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، 165
[2] سورة الأحزاب: 56
[3] مسند أحمد، 3/155
[4] المعجم الأوسط للطبراني، الحديث رقم: 5494
[5] سورة النساء: 69