خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّه
11.05.2023أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. وَقَدْ نَصَّ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَبْلِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالإِسْلامُ .فَالْاِعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا يَعْنِي: اَلْإِيمَانُ بِدِيْنِ الْإِسْلَامِ وَالْوَفَاءُ بِمُتَطَلَّبَاتِه.
وَقَدْ وَصَفَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْانَ بِأَنَّهُ “حَبْلُ اللَّهِ الْمَمْدُودِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْض“.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
اَللَّهُ يُحَذِّرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الِانْقِسَامِ وَالِافْتَرَاق. وَالتَّفْرِقَةُ هِيَ التَّفَكُّكُ الَّذِي يُقَسِّمُ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ وَحْدَةً دِينِيَّةً أَوْ فِكْرِيَّةً أَوْ سِيَاسِيَّةً إِلَى فِرَقٍ وَفَصَائِل. إِذَا لَمْ نُظْهِرِ الِاحْتِرَامَ الْمُتَبَادَلَ لِأَفْكَارِنَا وَآرَائِنَا الْمُخْتَلَفَةِ وَتَصَرَّفْنَا بِأُسْلُوبٍ يَجْرَحُ الْمَشَاعِرَ وَيَكْسِرُ الْقُلُوبَ، فَسَنَقَعُ فِي الْخِلَاف. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
فَهُوَ جَلَّ جَلَالُهُ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ وُضُوحِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى عَنِ انْقِسَامِنَا. يَأْمُرُنَا بِعَدَمِ الضَّلَالِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنَ الْأَشْكَال.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
بِسَبَبِ خِلَافَاتِنَا حَوْلَ الْقَضَايَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَآرَائِنَا الْمُخْتَلِفَةِ حَوْلَ الْقَضَايَا السِّيَاسِيَّةِ، يَجِبُ أَلَّا نُؤْذِيَ عَلَاقَةَ الْأُخُوَّةِ بَيْنَنَا. لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَجَاهَلَ النِّقَاطَ الَّتِي نَتَّفِقُّ عَلَيْهَا وَهِيَ كَالْجِبَال، وَنَقُومَ بِالتَّرْكِيزِ عَلَى نِقَاطِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا .بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، نَحْنُ نَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ إِخْوَة. فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَبَ الْآيَة. يَجِبُ أَنْ نَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافَاتِنَا عَلَى أَنَّهَا ثَرْوَة، وَأَنْ نَكُونَ مُتَسَامِحِينَ وَعَطُوفِينَ وَرَؤُوفِينَ تِجَاهَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ. سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ علَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بيْنَكُم».[1]
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
بِالطَّبْعِ ، مَفْهُومُ الْحُبِّ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَعَبِيرٍ جَافّ. اَلشُّعُورُ بِالْحُبِّ لَهُ الْتِزَامَاتٌ تِجَاهَ الْبَشَر. قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه». يَجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ مَا نُحِبُّهُ لِأَنْفُسِنَا لِإِخْوَانِنَا، وَيَجِبُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ حَقَّ الْحُبّ. فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ ، يَجِبُ أَلَّا نَتَشَاجَرَ مَعَ إِخْوَانِنَا لِأَيِّ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَاب. يَجِبُ أَنْ نَتَجَنَّبَ الْكَلِمَاتِ الْمُسِيئَةَ، وَأَنْ نَتَعَانَقَ، لَا تَمْيِيزِيَّةَ وَلَا إِقْصَائِيَّة. اَلْمُؤْمِنُونَ أَشِدَّاءُ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَمُتَوَاضِعُونَ وَمُتَسَامِحُونَ فِيمَا بَيْنَهُم. مَا دَامَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَخْتَلِفُونَ، فَإِنَّ رَبَّنَا يَحْفَظُ قُوَّتَنَا. وَيُشِيرُ شَاعِرُنَا وَمُفَكِّرُنَا الْكَبِيرُ مُحَمَّدْ عَاكِفْ إِلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: «لَا يُمْكِنُ لِلْعَدُوِّ أَنْ يَخْرِقَ أُمَةً غَيْرَ مُفَكَّكَةٍ، وَإِنْ خَرَقَهَا فَبِتَفَكُّكِهَا. مَا دَامَتْ الْقُوَى مُتَّحِدَةً فَلَا أَحَدَ قَادِرٌ عَلَى هَزِيمَتِهَا».
جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى وَحْدَتِهِمْ وَيُحِبُّونَ بَعْضَهُمُ الْبَعْضُ فِي سَبِيل اللَّه. آمِين!